ومنها: الشروع فى الفعل؛ نحو: (باسم الله)؛ فيقدّر ما جعلت التسمية مبدأ له.
ومنها: الاقتران؛ كقولهم للمعرّس: بالرّفاء والبنين أى: أعرست.
ــ
مجاهد مكان قتال. ويدل على ذلك أنهم أشاروا على النبى صلّى الله عليه وسلّم، بأن لا يخرج من المدينة.
(قلت): وتعيين المحذوف هنا دل عليه السياق والقرينة. وأما تسمية ذلك عادة ففيه نظر.
وأيضا قيل: إن المراد لو نعلم أنه يعرض لكم قتال ما، أو لو نعلم أن ما أنتم متوجهون إليه قتال؛ لكنه ليس بقتال، بل هو إلقاء النفس إلى التهلكة، فعلى هذين لا حذف.
ومنها الشروع فى الفعل نحو: باسم الله فيقدر ما جعلت البسملة مبدأ له، فإن كانت عند الشروع فى القراءة قدرت أقرأ، أو إلا كل قلت: آكل كذا قال المصنف. وقد اختلف الناس هل يقدر فى مثله الفعل، أو الاسم المصدر؟ واختلفوا: هل يقدر عام كالابتداء، أو خاص كما ذكره؟
ومنها أن يدل الاقتران على المحذوف المعين، كقولهم لمن أعرس: بالرفاء والبنين أى:
بالرفاء والبنين أعرست. قلت: وهذا الدليل يغنى عن ذكر الدليل السابق، فإن السابق داخل فى هذا، فلم يكن به حاجة لذكر الشروع. قال الخطيبى: ومنها أن يدل عرف اللغة على الحذف، والقرينة الحالية على التمثيل. ثم ذكر المثل المشهور: إن لا حظية فلا ألية، أى: إن لم توجد حظية، فلا تترك ألية. والحظية ذات الحظوة عند زوجها. والألية:
بمعنى الآلية اسم فاعل من ألا إذا قصر. وأصله أن رجلا تزوج امرأة، فلم تحظ عنده، ولم تكن بالمقصرة فيما
يحظى النساء عند أزواجهن، فقالت له: إن لا حظية، فلا ألية أى: إن لم يكن لك حظية، لأن طبعك لا يلائم النساء، فإنى غير مقصرة فيما يلزمنى للزوج. فحظية مرفوع؛ لأنه فاعل المضمر الذى هو يكن من كان التامة، وألية خبر مبتدأ تقديره: فأنا لا ألية أى: غير ألية. ويجوز نصب حظية وألية على تأويل: إن لا أكن حظية، فلا أكون ألية. وهو مثل يضرب فى مداراة الناس والتودد لهم، قال ذلك الزمخشرى فى الأمثال.
وفيما قاله الخطيبى نظر؛ لأن اطراد عرف اللغة بالحذف ليس دليلا على الحذف، بل هو حذف مطرد يحتاج لدليل، وهو القرينة. ثم ذكر من مواضع الحذف ما لا حاجة لذكره، لدخوله فى كلام المصنف وغيره، ممن أطلق القرينة اللفظية أو الحالية. نعم من أعظم الأدلة على الحذف اللغة، وذلك مثل قولك: ضربت، فإن اللغة قاضية أن الفعل المتعدى لا بد له من مفعول، فاللغة دلت على أصل الحذف لا تعيينه، وكذلك المبتدأ المحذوف، والخبر، والفاعل عند من أجاز حذفه.