البيان باب من أبواب علم المعانى، وفصل من فصوله، وإنما أفرد كما يفرد علم الفرائض عن الفقه. وهذا الكلام فيه نظر؛ لأنه صرح بأن علم البيان مركب وعلم المعانى مفرد. والباب أو الفصل من العلم، كالفرائض ليس مركبا بالنسبة إلى العلم؛ لأن الفقه، مثلا إن كان اسما لجميع أبوابه على سبيل الكل المجموعى، فالفرائض جزء للفقه، فالفقه مركب لا باعتبار الأعم والأخص، بل باعتبار الجمع والمفرد.
بخلاف علم المعانى؛ فإنه عندهم مفرد كالجنس، وعلم البيان مركب كالنوع.
وإن كان الفقه مثلا كليا، يصدق على كل باب منه، وينفصل بعضها عن بعض بخاصية، فلا يصح أن يقال: إن حد المعانى يخرج حد البيان، كما فعلوه؛ لأن حد الجنس لا يجوز أن يكون مخرجا للنوع، كما أن حد الحيوان لا يجوز أن يخرج الإنسان.
ولعل هذا القائل اغتر بقول السكاكى: شعبة منه، والشعبة كالباب. وغفل عن قوله: إنه منفصل عنه بزيادة اعتبار، فإنه إشارة إلى أنه ليس كالباب، بل كالنوع فإن الإنسان شعبة من الحيوان، ينفصل عنه بزيادة النطق.
السادس: أورد بعض شراح المفتاح أن قولهم: فى وضوح الدلالة، لا ينبغى؛ فإن الوضوح ليس بمقصود، بل المقصود: الخفاء، فإنه كلما كان الكلام خفيا فى الدلالة، كان أبلغ. فلو قيل: فى خفاء الدلالة كان أقرب إلى الإشارة إلى اعتبارات الأبلغ. واعترض على هذا بالمنع، وبأن ذكر الوضوح، يستلزم ذكر الخفاء؛ لأن كل واضح، خفى بالنسبة إلى غيره وبالعكس، وبغير ذلك مما لا طائل تحته. والسؤال قوى فلذلك عبر الطيبى بالخفاء.
السابع: لا شك أن الإيراد الواحد للمعنى الواحد بالطرق المختلفة لا يمكن. فلو قال المصنف: بإحدى طرق، لشمل الإيراد الواحد، وكان أحسن؛ لأن قوله: بطرق لا يتأتى إلا عند تعدد الإيراد. وليس القصد منحصرا فى ذلك.
الثامن: أورد الترمذى على هذا الحد أنه يلزم عليه أن من عرف لمعنى واحد طرقا مختلفة يكون يعرف علم البيان. وليس كذلك؛ لأن هذا لآحاد العوام.