للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باب المجاز - إن شاء الله تعالى - ويلزم السكاكى أن يجعل الكناية أيضا انتقالا من الملزوم، لكنه تارة يتساهل فى إطلاق الملزوم على اللازم المساوى، وتارة يحقق، وأما الكناية فكذلك، إلا أنها تفارق المجاز فى أنه ليس فيها

انتقال الاستعمال، بل انتقال الذهن فقط. وإن أردت انتقال ذهن المتكلم، فالمتكلم إذا أراد إفادة الكرم، انتقل ذهنه إلى لازمه، وهو كثرة الرماد، فأخبر به ليستفاد منه ملزومه، والسامع إذا سمع اللازم، انتقل ذهنه إلى الملزوم فالانتقال فيها بحسب المتكلم من الإخبار بالملزوم إلى الإخبار باللازم، وبحسب السامع من فهم اللازم إلى فهم الملزوم. وهذا أحد قسميها، وهو الذى ذكره الناس.

وقد يقال: هى كالمجاز تنقسم إلى القسمين، فربما أخبر فيها بالملزوم، وأريد الاستعمال فيه، ليستفاد لازمه كقولك: نزل الغيث، تريد إفادة أن السنة مخصبة، ومنه قوله تعالى: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا (١) لأنه لم يقصد إفادة ذلك؛ لأنه معلوم، بل إفادة لازمه، وهو أنهم ينبغى أن يحذروها ويجاهدوا. وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم:" المرء مع من أحب" (٢) والمقصود بالفائدة، إنما هو كون المخاطب مع النبى صلّى الله عليه وسلّم.

واعلم أن قولنا: إطلاق اللازم على الملزوم وعكسه، جرى على عبارة القوم، وهى غير منقحة؛ لأنك إذا قلت: رأيت أسدا يتكلم، لم تطلق اللازم على الملزوم؛ لأن الملزوم ذات الأسد ولازمها معنى وهو شجاعة، والذى أطلقت عليه الأسد زيد، فإنما أطلقت ملزوما لشئ على ملزوم لشئ بين اللازمين تشابه. نعم قد يطلق الملزوم على اللازم فى نحو قولك: جاءنى عدل ويعجبنى الإنسان، وتريد ضحكه، أو كتابته، وكذلك عكسه، ومن أمثلتهما: أمطرت السماء نباتا، ورعينا غيثا. وكذا الكناية يعتبر فيها ما ذكرناه، فليتأمل.

وسيأتى تحقيق ذلك وتكميله عند ذكر الكناية، وإنما عجلت ذكر هذا هنا؛ للتقسيم الذى ذكره المصنف، ولأن بين هذا المكان وذلك مفاوز، ولا يقطعها إلا


(١) سورة التوبة: ٨١.
(٢) أخرجه البخارى فى" الأدب"، باب: علامة الحب فى الله، (١٠/ ٥٧٣)، (ح ٦١٦٨)، ومسلم فى" البر والصلة"، باب: المرء مع من أحب (ح ٢٦٣٩)، من حديث أنس بن مالك، وقد جاء من طريق عبد الله بن مسعود، وصفوان بن عسال، وأبى موسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>