تحقيق معناهما. إذا تحرر هذا فلنرجع إلى تتبع كلامهم، فقول المصنف: اللفظ المراد به لازم ما وضع له مجاز إن قامت قرينة على عدم إرادة موضوعه، كقولك: رأيت أسدا يرمى بالنشاب، فإن الرمى قرينة قامت على عدم إرادة الحقيقة، والمراد بإرادة اللازم التى هى مورد القسمة إرادة الإفادة سواء أكانت متحدة مع إرادة الاستعمال، أم لا. فإن أحد قسميها وهو الكناية، أريد به استعمال اللفظ فيما وضع له، ليفيد غير ما وضع له.
فقد وجد هنا إرادة اللازم الذى هو غير موضوع اللفظ إفادة لا استعمالا. وقسمها الآخر وهو المجاز، أريد به غير موضوعه استعمالا وإفادة.
واعلم أن المراد باللازم هنا ليس ما ذكره المنطقيون، بل المراد اللازم العرفى، سواء أكان عقليا خاصة، أم عرضا عاما، أم غير ذلك لما تقدم من أن المراد: اللازم للفهم ولو عرفا، والمراد باللازم العارض، والملزوم المعروض وإن شئت قلت: اللازم التابع والملزوم المتبوع، غير أن المعتبر هنا اللازم المساوى، فإن الأعم لا ينتقل الذهن منه إلى الأخص، إنما ينتقل من اللازم المساوى.
قال فى المفتاح: أو الأخص وفيه نظر؛ فإن اللازم لو كان أخص من الملزوم، لوجد الملزوم دون اللازم وهو محال. وأجاب عنه الكاشى بأن ذلك إنما يمتنع فى اللازم العقلى، أما اللازم الأعم من ذلك، فلا يمتنع أن يوجد فيه الملزوم دون اللازم. ونحن هاهنا إنما نريد اللازم الاعتقادى مطلقا.
(قلت): يستحيل أن يكون اللازم أخص، سواء أكان عقليا أم اعتقاديا؛ لأن الذهن كيف يربط أمرا بأمر أعم منه والفرض أنه يعتقد لزومه لعرف، أو غيره. فإذا كان فى الذهن أخص من غيره استحال أن يربطه الذهن بالأعم.
إذا تقرر ذلك، فالسكاكى قال: الكناية ينتقل فيها من اللازم إلى الملزوم، أى: ينتقل ذهن السامع، كما تقول: فلان طويل النجاد، والمراد طول القامة، يعنى المراد بالإفادة لا بالاستعمال. ثم قال: إن المجاز ينتقل فيه من الملزوم، يعنى أن السامع ينتقل ذهنه من الملزوم، وهو الحقيقة إلى اللازم، وهو معنى المجاز.
وأما المصنف فإنه جعل كلا من المجاز والكناية، أريد به اللازم ولا يريد به إرادة الاستعمال، وإلا كان مجازا فقط، بل يريد إرادة الإفادة، وحينئذ فكلامه لا يصح، لأنه ليس كل مجاز قصد منه لازم موضوع اللفظ، بل المجاز الذى حصل فيه إطلاق اللازم