للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة فى الظاهر، وتناسى التشبيه. ولا حاصل لما قالوه؛ لأنا نقول: ليس من شرط الاستعارة صلاحية الكلام لصرفه إلى الحقيقة فى الظاهر؛ بل لو عكس ذلك، وقيل: لا بد من عدم صلاحيته، لكان أقرب؛ لأن الاستعارة مجاز لا بد له من قرينة، وإن لم تكن قرينة؛ امتنع صرفه إلى الاستعارة، وصرفناه إلى حقيقته وإنما نصرفه إلى الاستعارة بقرينة، غير أن تلك القرينة تارة تكون معنوية حالية، مثل: رأيت أسدا، وتارة تكون لفظية، مثل: زيد مخبرا عنه بالأسد، فإنه قرينة تصرف الأسد عن إرادة حقيقته. ثم إن المصنف وكل من تكلم فى قوله تعالى:

فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ (١)، وقوله: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ (٢) جعل حصيدا وهشيما استعارة، وهو يناقض قولهم: إنه إذا وقع المشبه به خبرا، أو حالا، يكون تشبيها، وقد جعل الرمانى وغيره من الاستعارة: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (٣) مع أن مبصرة حال، وجعل الرمانى، والإمام فخر الدين، والزنجانى، منه قوله تعالى: وَسِراجاً مُنِيراً (٤) وإن كان حالا. ثم ليت شعرى! كيف يصنعون فى الإخبار بالمصدر، نحو: زيد ضرب، هل يقدرون على أن يقدروا مثل: ضرب؟ وذلك لا سبيل إليه؛ لوضوح فساده، وبعده عن المقصود من الإخبار بالمصدر، وبرهان ذلك أيضا أنا لم نر أحدا ذهب فى قوله:

فإنّما هى إقبال وإدبار

أنه تشبيه، بل قيل: هو استعارة، ورده عبد القاهر فى دلائل الإعجاز، وقال: هو مجاز حكمى، وكأنه يريد مجاز الإسناد، فكان ذلك اتفاقا منهم على أنه ليس تشبيها، وقال عبد القاهر أيضا، فى قول المتنبى:

بدت قمرا ومالت خوط بان

إنه ليس على تقدير: مثل قمر، بل هو من قبيل المجاز الحكمى، وهذا وارد عليهم إن كان قمرا حالا ومما يرد عليهم

ما ذكره النحاة عن آخرهم فى نحو: زيد زهير شعرا؛ فإنه لا يوافق ما ذكروه، بل يشهد لما قلناه من أنه استعارة. ومما يدل لما قلناه،


(١) سورة يونس: ٢٤.
(٢) سورة الكهف: ٤٥.
(٣) سورة الإسراء: ٥٩.
(٤) سورة الأحزاب: ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>