للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن يرجع فيه إلى التشبيه الساذج حتى يكون المعنى: هو كالبدر لزم أن يكون البدر المعروف موصوفا بما ليس له، فظهر أنه إنما أراد أن يثبت من الممدوح بدرا له هذه الصفة العجيبة، التى لم تعرف للبدر، فهو مبنى على تخيل أنه أراد فى جنس البدر، وأخذ له هذه الصفة. فالكلام موضوع لا لإثبات الشبه بينهما؛ ولكن لإثبات تلك الصفة، فهو كقولك: زيد رجل كيت وكيت، لم تقصد إثبات كونه رجلا؛ بل إثبات كونه متصفا بما ذكرت، فإذا لم يكن اسم المشبه فى البيت مجتلبا لإثبات التشبيه تبين أنه خارج عن الأصل المتقدم من كون الاسم مجتلبا لإثبات التشبيه. فالكلام فيه مبنى على أن كون الممدوح بدرا، شئ قد استقر وثبت، وإنما العمل فى إثبات الصفة الغريبة.

(قلت): ما ذكره واضح؛ ولكنه لا يصل إلى درجة استحالة تقدير الأداة. وما المانع أن يكون المشبه به بدرا بهذه الصفة، ويكون المشبه به خياليا لا حقيقيا؟ ثم قال: وكما يمتنع فى ذلك دخول الكاف، يمتنع دخول: كأن ونحو تحسب، ثم قال: وأيضا هذا الفن إذا فليت عن سره، وجدت محصوله أنك تدعى حدوث شئ هو من الجنس المذكور، إلا أنه اختص بصفة عجيبة، لم يتوهم جوازها على ذلك الجنس، فلم يكن لتقدير التشبيه فيه معنى.

(قلت): كون تقدير التشبيه ليس له معنى صحيح؛ ولكن لا نقول: إنه مستحيل أن يراد.

(تنبيه): يستثنى من كلامهم، ما إذا كان المشبه به المذكور خبرا عن المشبه، وهو تمثيل، كقوله تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (١) فإنه يصدق أن طرفى التشبيه مذكوران، والمشبه به خبر، وهو استعارة، كما سيأتى. وهذا مما يدل لما اخترناه من أن ذلك، ليس لازما أن يكون تشبيها. ويستثنى أيضا نحو: زيد أسد يرمى بالنشاب إلا أن يجعل تشبيها خياليا، وفيه بعد. ومثال هذا قول ذى الرمة:

فلمّا رأيت الليل والشمس حيّة ... حياة الّذى يقضى حشاشة نازع


(١) سورة الزمر: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>