كالخدّ والورد، والصوت الضعيف والهمس، والنّكهة والعنبر، والرّيق والخمر، والجلد الناعم والحرير، أو عقليّان؛ كالعلم والحياة، أو مختلفان؛ كالمنية والسّبع، والعطر وخلق كريم ...
ــ
مخالفا لكلامهم؛ لأنهم جعلوا الطرفين حسيين، وإن كان وجه الشبه بينهما عقليا كما ستراه، وهذا اصطلاح لهم لا مشاحة فيه. فنحن نتبعهم فيه على اصطلاحهم، والتحقيق ما سبق.
وهذا البحث لم يزل يدور فى خلدى إلى أن جزمت به، وكتبته ثم بعد مدة، رأيت ابن الأثير قد وقع عليه، فقال فى كنز البلاغة: قولنا: زيد أسد، تشبيه معنى بمعنى؛ لأن المقصود الشجاعة. ثم رأيت ابن رشيق فى العمدة أشار إليه فقال: إن التشبيه إنما هو أبدا على الأعراض لا على الجواهر.
(الثالث): حيث قلنا فى هذا الباب: حسى، أو خيالى، أو عقلى، أو وهمى، أو وجدانى، فالمراد أن يكون إدراك السامع له بإحدى هذه الطرق، أو نقول: المراد أن يكون الإنسان يدرك ذلك بأحدها. وإنما قلت ذلك احترازا من التشبيهات الواردة فى كلام الله تعالى، فإن علمه عز وجل ليس بشئ من هذه الطرق. إذا تقرر ذلك فلنرجع لكلام المصنف.
فقوله: (كالخد والورد) مثال للمبصرات، فالخد مشبه والورد مشبه به، والواجب أن يقال: كلون الخد ولون الورد وأن يذكر معه ما يصرفه لخد معين وورد معين، وإلا فيكون غير مدرك بالحاسة كما سبق.
وقوله: (والنكهة والعنبر) مثال للمشمومات، وينبغى أيضا أن يقال: وريح العنبر، والإيراد عليه هنا أشد؛ لأنه
جعل المشبه به فى اللفظ العنبر، والمشبه فى اللفظ النكهة، وهى رائحة الفم فإما أن يقول: كالنكهة ورائحة العنبر، أو يقول: كالفم والعنبر كما قال فى الخد والورد، ثم عليه السؤال السابق.
وقوله: (والريق والخمر) مثال للمذوقات. وفيه نظر؛ لأن الريق لا يشبه بالخمر فى الطعم، وإنما يشبه بها إذا أريد تشبيه الطرب الحاصل بالريق بنشوة الخمر، وهو فيهما حينئذ يكون عقليا وجدانيا لا حسيا، فكان الأحسن أن يمثل بالريق والشهد، ثم عليه السؤالان السابقان.
وقوله: (والجلد الناعم والحرير) مثال للملموسات، وعليه السؤالان السابقان.
وقوله: (والصوت الضعيف والهمس) مثال للمسموعات. قال الخطيبى:
والصوت الضعيف ما كان ضعيفا فى نفسه، والهمس ما أسر من ذلك الكلام وأخفى،