للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأول على خلاف ذلك؛ كقولك: شاهدت سواد الكفر من جبين فلان؛ فصار تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع، كتشبيهها ببياض الشّيب فى سواد الشباب، أو بالأنوار مؤتلفة بين النبات الشديد الخضرة؛

ــ

الشيب فى سواد الشباب، أو بالأنوار جمع نور بالفتح (بين النبات الشديد الخضرة) ووجهه أنه تخيل ما ليس بمتلون متلونا.

(قلت): يريد أنه صار متخيلا، كما أن اللون تحقق فى بياض الشيب، وكونه جعل التشبيه أولا بين الابتداع والظلمة، وأنه لزم عنه تشبيه الهدى بالنور فيه نظر، والأولى العكس، كما هو نص البيت، فإن الذى دخلت عليه أداة التشبيه هو الأجدر بأن يجعل المقصود وغيره لازم عنه، إلا أن يكون لاحظ فى ذلك تقدم الظلمة فى الخلق على النور، أو لقوله تعالى: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (١) ثم يقال: كيف لزم عن تشبيه البدعة بالظلمة تشبيه الهدى بالنور، ومن شبه أحد الضدين بأمر لا يلزمه تشبيه ضده بضده، وليس كل ما ثبت لأحد الضدين ثبت ضده لضده، ولعله يريد انحدار الذهن من تشبيه البدعة بالظلمة إلى تشبيه السنة بالنور.

وقوله: (فصار تشبيه النجوم إلى آخره) هو الموافق لنظم البيت، ولكنه ليس موافقا لما سبق من قوله: شبهت البدعة بالظلم والهدى بالنور فإن مقتضى ذلك أن يقول: فصار تشبيه الهدى بين الابتداع بالنجوم بين الظلام، ولعل الجمع بين كلاميه وأنه أراد أولا التشبيه الأصلى، ثم أراد هنا التشبيه المقلوب.

بقى هنا أمور منها: أن هذا المثال وغيره من أمثلة التخييل، وما تقدم فى حد التخييل يقتضى أن التخييل كله من باب قلب التشبيه، وكلام السكاكى يصرح به البيت السابق ونظائره، والمصنف صرح به فى الإيضاح فى بعض الأمثلة، وعليه شيئان:

أحدهما: أن هذا يخالف قول المصنف شبه أولا كان كذلك ثم قلب.

الثانى: أنا لا نسلم القلب، فإن قال: لأن الخيالى أضعف من الحسى، فلا يجعل أصلا لزمه منع تشبيه الحسى بالخيالى والعقلى، نعم يحتاج إلى دعوى قلب التشبيه إذا علمنا من سياق كلام الشاعر أنه إنما قصد تشبيه السنن والابتداع بالنجوم والظلام ولا نسلم ذلك، بل سيأتى ما يدل على خلافه - إن شاء الله تعالى - ومنها: أن فى البيت

تقديرين:


(١) سورة البقرة: ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>