للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدهما: أن النجوم هى التى تلوح بين الدجى، وهو قد جعل الابتداع يلوح بين السنن، فالتشبيه غير تام.

الثانى: أن لاح لا يستعمل إلا فيما له إشراق وظهور، وذلك مناسب لأن تجعل فاعله السنن لا الابتداع.

الثالث: وأورده الزنجانى أن الأشياء البيض فى المشبه به ظرف، والسواد مظروف، وفى المشبه بالعكس فكيف يصح أن يكون المشبه الهيئة الاجتماعية؟ وهو قريب من الأول، ولا يصح الجواب بأن لاح مسند إلى ضمير السنن؛ لأن قوله: بينهن ابتداع صريح فى الظرفية؛ ولأن لاح فيه ضمير المؤنث الغائب فلا يصح تذكيره، وإن كان مجازيا على المشهور. وقوله: (ولا أرض أبقل إبقالها) شاذ ولو جوزناه فنهاية ما يحصل به الجواب عن السؤال الثانى ولا يصح الجواب عن هذا والذى قبله بأنه من باب القلب مثل: عرضت الناقة على الحوض، ويكون التقدير: لاحت بين الابتداع؛ لأن القلب لا ينقاس لغة، وهذا الشاعر ليس ممن يحتج بقوله، وأجيب عنه بأن المراد تشبيه النجوم بالسنن، والدجى بالبدع سواء أكان الدجى ظرفا، أم مظروفا ولا يصح؛ لأن رعاية الظرفية هنا مقصودة. نعم قد خطر فى هذا البيت شئ حسن، لا يخلو عن تكلف لكنه ينحل به الإشكال، ويعلم به أنه ليس من قلب التشبيه وأقدم عليه أن قبل هذا البيت:

ربّ ليل قطعته كصدود ... وفراق ما كان فيه وداع

موحش كالثقيل يقذى به العي ... ن وتأبى حديثه الأسماع

وكأنّ النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهنّ ابتداع (١)

فهذا الرجل يذكر ليلا مضى له مدلهما شديد السواد، استولت ظلمته على نجومه فسترتها، وتخللت وسطها، فلم يبق فيه شئ من النور. ألا ترى قوله: (كصدود وفراق ما كان فيه وداع) أى ليس فيه شئ من النور، فلو أن نجومه باقية لكان فيه مثل الوداع الذى يتعلل به، فلما وصفه بأنه ظلمة فقط ليس فيه شئ من النور، قال:


(١) البيت للقاضى التنوخى، فى المصباح ص ١١٠، ونهاية الإيجاز ص ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>