للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصل، والمدعى أن اللفظ إذا حول إلى أكثر حروفا منه كان أبلغ. وأما إذا حول إلى أنقص فلا يلزم أن ينقص المعنى، بل قد يقترن بما يجعله أبلغ. ونقل الزمخشرى هذه القاعدة بعد أن قال: قيل: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا. قال ابن المنير: حاصله أن الرحمة المستفادة من رحمن، أعم من الرحمة المستفادة من رحيم، والدلالة للعموم على قصور المبالغة أولى كما أن ضاربا أعم من ضراب، وضراب أبلغ منه بخصوصه، واستحسنه صاحب الإنصاف. قلت: فيه نظر من وجوه:

الأول: أنهما بنيا على أن مراد الزمخشرى برحمن الدنيا والآخرة، أنه يراد به ما هو أعم من كل منهما، وهو ممنوع لجواز أن يريد أن الرحمن، يراد به مجموع الرحمتين، فيكون مدلول الرحيم بعض مدلول الرحمن، ولا يكونان أعم وأخص، بل كل وجزء، فيتم ما قاله حينئذ.

الثانى: أن قوله: والدلالة بالعموم على قصور المبالغة أولى فيه نظر. لأنا نقول: سلمنا أن الأخص أكثر معنى من الأعم، لأنه يدل على الأعم وزيادة ولكن الزمخشرى: لا يعنى بزيادة المعنى هنا ذلك، بل المبالغة فى المعنى فى غير انضمام معنى إليه زائد، ولا منافاة بين كون الأخص أزيد معنى، والأعم أبلغ منه فى الدلالة على أصل المعنى،

فإن معنى الإنسان أكثر من معنى الحيوان. والظاهر أن دلالة الحيوان على معناه، أبلغ من دلالة الإنسان على الحيوان، لأن الأولى بالمطابقة، والثانية بالتضمن. وإذا صح لنا هذا فى ذلك فلننقله إلى مقصودنا، وهو أعم وأخص من مادة واحدة.

الثالث: أن ضرابا وضاربا ليس أحدهما عند التحقيق أعم من الآخر؛ لأن ضرابا لا يتميز عنه بوصف ذاتى، بل ضراب عبارة عن ذى ضروب كثيرة، أو ذى ضرب يوصف بالقوة، وذلك لا يوجب له حقيقة الأخص لما تقرر فى علم المنطق، وليس عندى فى الجواب عن ذلك كله إلا أن هذه علامات لا يشترط اطرادها. فإن قلت: قد اشتمل القرآن على كثير من الرباعى والخماسى، فليكن فصيحا. قلت: لم يدعوا أن غير الثلاثى غير فصيح بل الثلاثى أفصح، ومع هذا فمن شرط ذلك أن تكون كلمتان لمعنى واحد إحداهما ثلاثية والأخرى رباعية، ولا يكون ثم مرجح لإحداهما على الأخرى - فيكون العدول إلى الرباعية عدولا عن الأفصح، وأين يوجد هذا فى القرآن؟

<<  <  ج: ص:  >  >>