للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وليس منه قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ (١) وإن كان نوره أتم من المشكاة، لأن المقصود تشبيه ما لم يعلمه البشر بما علموه لكون المشكاة فى الذهن أوضح، وقد تكون القوة فى المشبه به باعتبار الوضوح، ويؤيده أنه ليس بين نوره تعالى وبين نور المشكاة اشتراك فى القوة والضعف يقتضى أن أحدهما أتم فى نفس الحقيقة، فإنما هو

باعتبار الوضوح، ومن التشبيه المقلوب فى قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا (٢) فإن المقصود فى الأصل أنهم جعلوا الربا كالبيع، فقلب مبالغة فيه زعما أن الربا أولى بالحل من البيع.

وقال الإمام فخر الدين فى تفسيره أنه لما تساوى عندهم البيع والربا كان البيع مثل الربا وعكسه سواء، ومعنى هذا أنه مما أصله التشابه واستعمل فيه صيغة التشبيه كما سيأتى فلا يكون مما نحن فيه، واختاره ابن المنير فى الانتصاف، وكذلك قوله تعالى:

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ (٣) المقصود الزجر عن تشبيه غير الخالق بالخالق وأتى بمن فى قوله تعالى: كَمَنْ لا يَخْلُقُ إما للمشاكلة وإن كان المراد الأصنام أو لإرادة ذوى العلم ممن عبد ليعلم غيره من باب الأولى، أو لأنهم لما عبدوها نزلوها منزلة العاقل، قال المصنف: إنما قلب لأنهم غلوا فى عبادتها إلى أن صارت عبادتهم أصلا وعبادة الله عندهم فرعا، وفيه نظر لقوله تعالى حكاية عنهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (٤) والأحسن أن يقال: إنهم لما عبدوا غير الله كانت حالتهم فى القبح حالة من يشبه غير الله بالله، وعبارة الزمخشرى أنهم حين جعلوا غير الله مثل الله فى تسميته باسمه والعبادة له، وسووا بينه وبينه فقد جعلوا أنه من جنس المخلوق وشبيها به فأنكر عليهم ذلك بقوله: أَفَمَنْ يَخْلُقُ (٥)، انتهى.

وجوز الطيبى فيه فى شرح الكشاف أنه يريد أنهما لما تساويا صح تشبيه كل بالآخر، وأن يكون من قلب التشبيه.

قال المصنف: ومنه قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (٦) مكان قوله هواه إلهه، فإن أراد أنه مثل فى قلب التشبيه كما صرح به الشيرازى وجعل ظاهر كلام


(١) سورة النور: ٣٥.
(٢) سورة البقرة: ٢٧٥.
(٣) سورة النحل: ١٧.
(٤) سورة الزمر: ٣.
(٥) سورة النحل: ١٧.
(٦) سورة الجاثية: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>