للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله [من الطويل]:

تشابه دمعى إذ جرى ومدامتى ... فمن مثل ما فى الكأس عينى تسكب

فو الله، ما أدرى أبالخمر أسبلت ... جفونى أم من عبرتى كنت أشرب

ــ

لا يقال: لا نسلم دلالة التشابه على التساوى، بل إذا تعارضا فى الدلالة على التفاوت ارتفع دليل التفاوت، وصار الكلام لمجرد الجمع الذى هو أعم من التفاوت والتساوى؛ لأنا نقول: إذا حصل التعارض فى التفاوت، عدل لما وراءه وهو المساواة. فإن قلت: إذا كان التشابه يقتضى التساوى؛ لدلالة الفعل على وقوعه من الجانبين، فيلزم

ذلك فى نحو: شابه زيد عمرا؛ لدلالة فاعل على المشاركة.

(قلت): فاعل وتفاعل، وإن اتفقا فى الدلالة على المشاركة فهما مختلفان بوجه آخر، وهو أن تفاعل فيه إسناد الفعل لاثنين، وفاعل إخبار بوقوع الفعل من أحدهما على الآخر المستلزم لوقوعه من الآخر. ومثل المصنف التشابه بقول أبى إسحاق الصابى:

تشابه دمعى إذ جرى ومدامتى ... فمن مثل ما فى الكأس عينى تسكب

فو الله ما أدرى أبالخمر أسبلت ... جفونى أم من عبرتى كنت أشرب؟ (١)

ويروى: عيناى تسكب من قوله: بها العينان تنهل، فكأنه أراد أن المدامة والدمع متساويان فى الخمرة، أو الجريان. فإن قلت: إذا كان التشابه يقتضى التساوى، والتشبيه يقتضى التفاوت، فكيف جمع بينهما فى قوله تعالى: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ (٢) قال الزمخشرى: معناه مثل الذى رزقنا، ثم قال تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً فقد جمع بين صيغتى التشبيه والتشابه.

(قلت): ليس عن ذلك جواب إلا أن يقال: التشابه هنا المراد به التساوى فى مقدار وجه الشبه والتشبيه، باعتبار أن وجه الشبه فى المشبه به معروف، وكذلك قوله تعالى:

كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ (٣) فإن تشابه القلوب يلزم منه تشابه الأقوال النابعة لما فى القلب، فقد جمع بين التشبيه والتشابه، وجوابه كالأول.


(١) البيتان لأبى الصابى، فى الإشارات ص ١٩٠، والأسرار ص ١٥٦.
(٢) سورة البقرة: ٢٥.
(٣) سورة البقرة: ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>