للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واعلم أن المصنف قال فى الإيضاح: إن المقصود فى بيت بشار الهيئة الحاصلة؛ ولذلك وجب الحكم بأن أسيافنا فى حكم الصلة للمصدر، ونصب الأسياف لا يمنع من تقدير الاتصال؛ لأن الواو فيها بمعنى مع، فهو كقولهم: تركت الناقة وفصيلها:

قال المصنف فى الإيضاح: وهذا القسم ضربان: الأول: ما لا يصح تشبيه كل جزء من أحد طرفيه بما يقابله من الطرف الآخر، كقوله:

غدا والصبح تحت الليل باد ... كطرف أشهب ملقى الجلال (١)

فإن الجلال فيه فى مقابلة الليل، فلو شبه به لم يكن شيئا، وقد أورد أن تشبيه الليل بالجلال صحيح بجامع مطلق الستر، فلم يصح ما قاله. وأجيب بأن المصنف لم يمنع صحته، بل منع حسنه، وقول القاضى التنوخى:

كأنما المريخ والمشترى ... قدامه فى شامخ الرّفعه

منصرف بالليل عن دعوة ... قد أسرجت قدامه شمعه (٢)

فإن المريخ فى مقابلة المنصرف، ولو قيل: كأنما المريخ منصرف عن الدعوة كان خلفا من القول، وعلى سياق ما سبق يتعين أن يكون المريخ والمشترى قدامه، جملة حالية؛ ليكون التشبيه مركبا، والثانى: ما يصح تشبيه كل جزء من أجزاء أحد طرفيه بما يقابله من الآخر، غير أن الحال تتغير، كقول أبى طالب الرقى:

وكأنّ أجرام النّجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق

فلو قيل: كأن النجوم درر، وكأن السماء بساط أزرق، لصح؛ لكن أين يقع من التشبيه، الذى يريك الهيئة التى تملأ القلوب سرورا وعجبا، من طلوع النجوم، مؤتلقة متفرقة فى أديم السماء، وهى زرقاء زرقتها صافية؟

(قلت): تشبيه المركب بالمركب، والمفرد المقيد بالمفرد المقيد لا يكاد ينفصل أحدهما عن الآخر فى اللفظ، بل فى المعنى فحيث كان المقصود الهيئة الحاصلة من مجموع أمرين، أو أمور، فهو تشبيه مركب بمركب؛ لأن كل واحد من أجزاء الطرف


(١) البيت لأبى المعتز.
(٢) قائلهما هو القاضى التنوخى على بن أبى فهم، الشاعر الكاتب الناقد، صديق الوزير المهلبى.

<<  <  ج: ص:  >  >>