إما عند حضور المشبّه؛ لقرب المناسبة؛ كتشبيه الجرّة الصغيرة بالكوز، فى المقدار والشكل. أو مطلقا؛ لتكرّره على الحس؛ كالشمس بالمرآة المجلوّة فى الاستدارة والاستنارة؛ لمعارضة كلّ من القرب والتفصيل.
وإما بعيد غريب، وهو بخلافه؛ لعدم الظهور: إما لكثرة التفصيل؛ كقوله:
والشمس كالمرآة، ...
ــ
وينبغى أن يقال: أو على الفكر، والتكرر سبب الإلف. وقال السكاكى: التوفيق بين حكم الإلف، وحكم التكرر أحوج شئ إلى التأمل، يعنى فإن التكرار مكروه؛ لأنه يمل، وجبلت القلوب على معاداة المعادات، والإلف يحتاج إلى التكرار، فلو كان التكرار يورث الكراهة، لكان المألوف أكره شئ عند النفس.
وقد أجيب عنه بأن التكرار المكروه، ما لم يترتب على إعادته فائدة، أما إذا ترتب فإنه غير مكروه، وهو مألوف كالطعام اللذيذ ورؤية المحبوب.
والذى لا فائدة فيه، كتكرار الإخبار بشئ واحد من شخص واحد.
وقال الشيرازى: التكرار الموجب للإلف ما لم يكن للإنسان منه بد، كالأشياء الستة الضرورية المذكورة فى الطب، والذى يوجب الكراهة التكرار فيما للإنسان منه بد. وأورد عليه أن من الضروريات ما ليس مألوفا، ولكن يفعل للضرورة، كالاستفراغات.
ومثل المصنف لما نحن فيه بتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة للاستدارة والاستنارة، فإن كل واحد من قرب المناسبة المقتضى لحضور المشبه به فى الذهن عند حضور المشبه ومن التكرار المقتضى لحضوره فى الذهن مطلقا، يعارض التفصيل المقتضى لبعده. يعنى أن التفصيل كان مقتضيا للبعد، فعارضه كل من هذين الأمرين، فيبقى الآخر مرجحا فصار التشبيه قريبا، وقوله: يعارض التفصيل يعنى التفصيل القليل، أما الكثير فلا يعارضه هذان كما سيأتى، ويلوح لك من هذه العلة أن هذا القيد ليس فى الوجه الجملى أيضا، كما زعم الخطيبى، بل فى الوجه القليل التفصيل فقط.
(قوله: وإما بعيد) معطوف على قوله: إما قريب، أى: التشبيه قد يكون بعيدا غريبا، وهو بخلاف ما سبق فيكون القريب، ما يحصل من غير تدقيق نظر، والبعيد ما كان كثير التفصيل، أو قليله، إلا أن المشبه فيه غير غالب الحضور. وقوله:(غريب) مقابل لقوله:
فى القريب مبتذل، والمراد بالغرابة: قلة الاستعمال، وقوله:(لعدم الظهور) علة للبعد، والمراد عدم ظهور الوجه، وقوله:(لكثرة التفصيل) تعليل لعدم الظهور، وهو إشارة إلى النوع الأول. (كقوله: والشمس كالمرآة) يشير إلى قول الشاعر: