للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يتصرف فى القريب بما يجعله غريبا؛ كقوله [من الكامل]:

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلّا بوجه ليس فيه حياء

وقوله [من الكامل]:

عزماته مثل النّجوم ثواقبا ... لو لم يكن للثّاقبات أفول

ــ

قيل: المراد بالبليغ هنا: ما بلغ القبول من القلوب، وإلا فالبليغ بالاصطلاح هو الكلام، أو المتكلم، والتشبيه: دلالة المتكلم، وليس منهما وفيه نظر؛ لجواز أن تكون الدلالة صفة اللفظ، كما سبق، فيكون التشبيه صفة للكلام البليغ.

وصح تسميته: بليغا ببلاغة موصوفه، وهو الكلام. ثم أشار المصنف إلى أنه قد يحصل الخروج عن الأصل، فيتصرف فى التشبيه القريب، بما يجعله غريبا فيصير بليغا، كقول المتنبى:

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلّا بوجه ليس فيه حياء (١)

يريد أن هذا الوجه الحسن الذى أشار إليه لم تبرز الشمس لمقابلته، إلا ولها وجه ليس فيه حياء؛ لأنها لو استحيت لما برزت فى مقابلته، فتشبيه الوجه بالشمس مشهور مبتذل، وإنما قوله: ليس فيه حياء، جعل هذا التشبيه القريب المشهور غريبا، فصار بليغا.

ولك أن تقول: أين التشبيه هنا، ولا أداة تشبيه ظاهرة، ولا مقدرة؟ وإن أراد التشبيه المعنوى فليس الكلام فيه، وحاصل ما قاله: أن الشمس لا تصل أن تشبه هذا الوجه، فهو تشبيه منفى المشبه فيه هو الشمس، والمشبه به هو الوجه، وتشبيه الشمس بالوجه الحسن ليس مبتذلا، إنما المبتذل عكسه، وهذا ينحل إلى أن يكون كقولنا: هذا الوجه أحسن من الشمس، وقد تقدم الكلام فى كونه تشبيها أولا. ثم ذكر المصنف قسما آخر مما يصير التشبيه القريب به، بعيدا بليغا وهو أن يشبه شئ بشئ بشرط شئ، إما لفظا، أو معنى، وأشار إليه بقوله: وكقوله:

عزماته مثل النّجوم ثواقبا ... لو لم يكن للثّاقبات أفول (٢)


(١) البيت من الكامل لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه ١/ ١٧٤.
(٢) البيت لرشيد الدين الوطواط فى الإشارات والتنبيهات ص ١٩٨، والثواقب: السواطع، والأفول: الغروب.

<<  <  ج: ص:  >  >>