والبليغ: ما كان من هذا الضّرب لغرابته، ولأنّ نيل الشيء بعد طلبه ألذّ ...
ــ
يتصور قسم ثالث؛ لأنه إما أن يراد ترك بعض الأوصاف، أو لا يراد، فهو اعتبار الجميع.
وجوابه: أن بين إرادة طرح البعض وإرادة الجميع واسطة وهو إرادة البعض، مع قطع النظر عن البعض فلا يكون بقيد تركه، ولا بقيد إثباته، وهو أقل تفصيلا من القسمين، فلذلك كانا أعرف منه.
نعم ما ذكره المصنف مخالف لكلام الشيخ عبد القاهر، فإنه عد الأعرف أكثر من ذلك، وكلما كان التركيب، أى: تركيب وجه الشبه من أمور أكثر من غيرها، كان التشبيه أبعد، أى: أبعد عن الذهن، كما فى قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا (١) إلى قوله: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ فإنها عشر جمل، وقع التركيب من مجموعها، بحيث لو سقط منها شئ اختل المقصود من التشبيه، وكأن المصنف أراد بالعشر:(١) أنزلناه. (٢) فاختلط. (٣) مما يأكل. (٤) حتى إذا أخذت. (٥) وازينت. (٦) وظن.
(٧) أنهم قادرون. (٨) أتاها. (٩) فجعلناها. (١٠) كأن لم تغن.
وفيه نظر؛ لأنه إذا اعتبر صورة الجملة، وجعل: أنهم قادرون عليها جملة، مع كونها فى حكم المفرد، فليعد كأن لم تغن جملة، ولم تغن وحده جملة حادية عشرة، إلا أن يفرق بأن: ظن أهلها جملة وحدها، بخلاف: كأن لم تغن بالأمس فإن الجملة الصغرى فيه جزء من الكبرى، وإذا قلنا: إن الوقف على: فاختلط - كما جوزه الزمخشرى - كانت اثنتى عشرة.
(قوله: والبليغ) أى التشبيه البليغ، هو ما كان من هذا الضرب، أى: كثير التفصيل لا غيره.
(قوله: لغرابته) تعليل لكون الغريب بليغا، فإنه لا تدركه إلا الخاصة، ويعلل حسنه وبلاغته أيضا، بأن نيل الشئ بعد طلبه ألذ، وكلما كثرت الأوصاف التى يقع بها التركيب كثر الطلب، ولذلك يقال: الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب. لا يقال: إذا كثر التركيب حصل التعقيد المنافى للبلاغة، كما سبق فى مقدمة الكتاب، لأن المراد بعدم ظهور التشبيه دقته ولطفه وترتيب بعض المعانى على بعض، التعقيد المذموم ما حصل بسبب تركيب الألفاظ، أو اختلال الانتقال من المعنى الأول إلى المعنى الثانى المراد.