بقرينة فهو المجاز، فذلك التعيين لا يسمى وضعا وأورد أن المراد بالتعيين: تعيين الواضع، والمجاز ليس فيه تعيين واضع، بل فيه استعمال، فلم يدخل فى قوله:" تعيين" فلا حاجة لإخراجه؛ فلذلك أتى بفاء السببية؛ فقال:" فخرج المجاز لأن دلالته بقرينة"، ولا يرد عليه ما يوهمه كلامه فى حد الحقيقة من أن المجاز موضوع؛ لأن المعنى هناك أنه موضوع فى اصطلاح آخر. والخطيبى ادعى: أن هذا الحد تدخل فيه الاستعارة، وأنها موضوعة، وأن تعيين اللفظ للدلالة بنفسه ينقسم إلى: وضع حقيقى، ومجازى؛ وفيما قاله نظر، وإنما ألجأه إلى ذلك، أنه قصد أن يجعل هذا مقدمة للجواب عن اعتراض المصنف على السكاكى الذى سيأتى فى أواخر الباب، وللأصوليين خلاف فى أن المجاز موضوع أولا، ذكرناه فى شرح المختصر (قوله: دون الكناية)، يريد أن الكناية لا تخرج عن الوضع، فإنها وضعت لأنها تدل على معنى بنفسها، لا بقرينة، وتقريره يظهر لمن راجع ما حققناه فى الكناية من أنها أريد بها موضوعها استعمالا، وأريد لازمه إفادة، فالكناية موضوعه؛ لأن اللفظ عين فيها للدلالة على معناه الذى هو موضوع اللفظ بنفسه، فكانت موضوعة، وكونها دالة على لازم ذلك المعنى بقرينة حالية، كدلالة طويل النجاد على طول القامة يحتاج إلى قرينة، لكن ذلك ليس المعنى الذى استعملت الكلمة فيه، وقد علم من كلامه أن الكناية قسم
من أقسام الحقيقة؛ لكونها قسما من أقسام الموضوع، وهذا هو الحق، وسيأتى فى كلامه ما يخالف هذا، وتعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه تارة يكون مع إفادة شئ آخر بقرينة، فيكون حقيقة كناية، وتارة لا يكون، فيكون حقيقة فقط. وبهذا التحقيق ظهر أن ما ذكره الخطيبى من الاعتراض على المصنف والجواب وقوله: إن الكناية لا حقيقة ولا مجاز بعيد عن الصواب لا حاصل له، وقد أورد على المصنف أن قوله" بنفسه" لا يصح أن يتعلق بالدلالة لخروج الحرف، فإنه عين ليدل بغيره على معنى، لا بنفسه، وأوّل على أنه تعلق باللفظ على أنه حال، التقدير:" تعيين اللفظ كائنا بنفسه" أى: مع نفسه أى لا يصاحب ذلك اللفظ غيره، وفيه تعسف، وقد يلتزم الأول، ويقال: الحرف وضع لمعنى بعينه؛ ليدل بنفسه على معنى فى غيره، فإن الحرف دل بنفسه على معنى لا يعقل إلا متعلقا بغيره بخلاف المجاز، فإنه يدل بنفسه على معناه، إنما يدل على معناه بالقرينة، وإلى ما ذكره يشير كلام ابن الحاجب فى أماليه.
(تنبيه): قد يورد على ما ذكرناه من حد الوضع أنه يخرج عنه المشترك، فإنه عين فيه اللفظ للدلالة على المعنى، لا بنفسه، بل بقرينة. وهذا السؤال استشعره السكاكى