للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالجهل الأول حقيقة، والثانى مجاز. وفى الآية لطيفة ليست فى البيت، وهى ذكر لفظ التشبيه، ولفظ الاعتداء فإنهما منفران عن القصاص، ومرغبان فى العفو الذى هو مقصود الشارع، بخلاف فنجهل فى البيت، فإنه يخالف مقصوده من طلب الجهل والانتقام. ومما يوضح التجوز فى هذا كله قوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ (١) فإنه يشير إلى أن المجازى ليس ظالما، ثم أكد ذلك بقوله تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ فحصل من مجموع الجملة أن المجازى غير ظالم وجعل من ذلك قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (٢) فإنه أطلق السيئة التى هى سبب القصاص عليه، وقيل: ليس مجازا، فإن السيئة كل ما يسوء الشخص من حق وباطل، فتكون حقيقة (كذا قال المصنف) وهذا الذى قاله هنا من كونه حقيقة، جاز بعينه فى فاعتدوا عليه، وفى فنجهل، فلا وجه لتخصيصه بالسيئة، ثم نقول: فنجهل فوق جهل الجاهلين حقيقة قطعا؛ لأن الجهل فوق جهل الجاهلين ليس مكافأة؛ لأنه ليس مثله بل زائد عليه، والزيادة على مقدار القصاص جهل، بخلاف مثل: ما اعتدى عليكم، وبعد أن خطر لى هذا السؤال رأيت فى الانتصار فى إعجاز القرآن للقاضى أبى بكر الباقلانى ما يشير إليه، وقد يجاب عنه بأن مقابلة التأديب بأكثر منه عند الجاهلية كان محمودا يمتدحون به؛ فليس جهلا حقيقة، فصح أن تسميته جهلا مجاز

ثم اعلم أن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما سيأتى فى البديع، لأنه عد قوله تعالى:

وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها من المشاكلة وفسرها بما يقتضى أنها سميت سيئة من مجاز المقابلة لذكرها مع السيئة قبلها، لا للتشبيه، ولو كانت للتشبيه لجاز تسمية الجزاء سيئة، وإن لم يذكر قبلها لفظ السيئة. ثم بعد تسليم أن ذلك كله مجاز، قيل:

إن علاقته المضادة؛ لأن الأول محرم، والثانى مشروع، وقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (٣) قيل: مجاز كذلك من إطلاق المسبب على السبب، وقيل: من مجاز المقابلة، ويفسده قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ (٤) فإنه لم يذكر قبله ولا بعده مكر الآدمى، فلا مقابلة. قال فى الإيضاح: وقيل: يحتمل أن يكون مكر الله حقيقة، فان المكر هو


(١) سورة الشورى: ٤٠.
(٢) سورة الشورى: ٤٠.
(٣) سورة آل عمران: ٥٤.
(٤) سورة الأعراف: ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>