للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو مسبّبه؛ نحو: أمطرت السماء نباتا، ...

ــ

التدبير فيما يضر الخصم، وهذا محقق من الله باستدراجه إياهم بنعمه مع ما أعدّ لهم من نقمه. (قلت): لا يصح ذلك؛ لأن التدبير أيضا يستحيل نسبة حقيقته إلى الله - تعالى - قال الجوهرى: التدبير فى الأمر أن ينظر إلى ما تؤول إليه عاقبته. وقال الراغب: هو التفكر فى دبر الأمور. وقال الغزالى: جودة الروية فى استنباط الأصلح، وهو على الله تعالى محال؛ ولذلك فسر قوله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ (١) بأنه أقام بذلك من يدبره. وقيل: معناه: يقضى. وقيل: يريد ولو أن المصنف ترك التعبير بالتدبير وقال: المكر حقيقة فى فعل ما يسوء الشخص فى عقباه لما ورد عليه هذا، لكنه لا يوافق اللغة. قال الجوهرى: المكر الاحتيال والخديعة، وذكر الراغب نحوه، فثبت أنه فى الآية مجاز. ومن لطيف مجاز التشبيه أو المقابلة قوله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (٢) فإن الجزاء سمى عدوانا لمقابلته للعدوان، أو لتسببه عنه ولذلك أخرج من عمومه بالاستثناء، فوجه لطفه أن المقابلة لم تقع بين كلمتين بل بين مدلولات كلمة واحدة، ويمكن أن يقال فى مثل ذلك: إنه جمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا كله - أيضا - يحتمل أن يكون استعارة كما سبق (قوله: أو مسببه) إشارة إلى القسم الرابع وهو تسمية السبب باسم المسبب، نحو:" أمطرت السماء نباتا" فذكر النبات، وأريد الغيث؛ لأن الغيث سبب النبات، وهو عكس ما قبله، وعليه قوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (٣) وجعل المصنف منه ((كما تدين تدان)) (٤)؛ أى: كما تفعل تجازى، وكذا قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً (٥)؛ أى: مطرا هو سبب الرزق، وقد يقال: إن المطر نفسه رزق؛ لأن الرزق بمعنى المرزوق، وكذلك قوله تعالى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً (٦) وقال الشاعر:

أكلت دما إن لم أرعك بضرّة ... بعيدة مهوى القرط طيّبة النشر (٧)


(١) سورة السجدة: ٥.
(٢) سورة البقرة: ١٩٣.
(٣) سورة الزمر: ٦.
(٤) الحديث ضعيف أخرجه ابن عدى عن ابن عمر، انظر ضعيف الجامع ص ١٥٩.
(٥) سورة غافر: ١٣.
(٦) سورة النساء: ١٠.
(٧) البيت من مختارات أبى تمام فى ديوان الحماسة لبعض الأعراب من غير تعيين، والإيضاح بتحقيقى ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>