للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المبالغة إرادة الاستعارة، كقوله تعالى: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً (١) وقوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (٢) وإن كان المشبه مذكورا، فالمشبه به إن كان خبر مبتدأ أو نحوه مثل:" كان"،" وإن" أو المفعول الثانى من باب علمت، فقد تقدم الكلام عليه، وإن رأى المصنف أنه تشبيه، والمختار جواز الأمرين فيه، فنحن ننازعه فى تعين" زيد أسد" للتشبيه، كما ذكرناه فيما سبق، وننازعه فى تعين" رأيت أسدا" للاستعارة، كما ذكرناه الآن، وإن لم يكن المشبه به كذلك فهو تجريد، وسيأتى الكلام عليه إذا تقرر هذا، فالاستعارة اختلف فيها، هل هى مجاز لغوى أو عقلى؟ والشيخ عبد القاهر يردد القول بينهما، فالجمهور على أنها مجاز لغوى، وإليه ذهب المصنف، والحاتمى شيخ السكاكى، بمعنى أن" أسدا" من قولك:" رأيت أسدا" مستعمل فى غير موضوعه، واستدلّ عليه بأن القرينة منصوبة معه، ولو كان حقيقة لما احتاج إلى القرينة، وهو ضعيف، فإن القرينة قد تكون لإرادة الأسد الذى هو إنسان بالدعاء، واستدل المصنف عليه بأنها، أى:

بأن لفظها أى اللفظ المستعمل فيها موضوع للمشبه به فإن لفظ" الأسد" موضوع للحيوان المفترس لا للمشبه، وهو الرجل الشجاع، ولا لشئ له الشجاعة أعم من أن يكون الرجل الشجاع، أو الحيوان المفترس، وإذا لم يكن موضوعا للرجل الشجاع ولا لأعم منه ومن غيره كان مستعملا فى غير ما وضع له وهو شأن المجاز، وإنما قال: ولا لأعم منه؛ لأن اللفظ لو كان موضوعا لأعم منهما لكان متواطئا، أو مشككا، فيكون حقيقة بالنسبة إليهما.

وقد يعترض على هذا بأن يقال: إطلاق المتواطئ على أحد نوعيه مجاز على قول مشهور، لكن ليس هذا موضع تحقيق هذا البحث، وقد حققناه فى شرح مختصر ابن الحاجب، وأيضا فالمصنف قال فى الإيضاح: لو كان موضوعا لأحدهما لكان استعماله فى الرجل الشجاع من جهة التحقيق لا من جهة التشبيه، وهذا المعنى، وهو لزوم عدم التشبيه لازم للتواطؤ سواء أكان استعماله فى أحدهما حقيقة أم مجازا؛ لأن التجوز فى إطلاق الأعم على الأخص باعتبار زيادة قيد الشخص لا باعتبار تشبيه معناه بأصله، فهو للتحقيق، أى ليس للتشبيه سواء أكان حقيقة أم مجازا، وبهذا ظهر الجواب عن قول الخطيبى: لا نسلم أنه


(١) سورة فصلت: ١٣.
(٢) سورة النحل: ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>