للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرينتها: إما أمر واحد؛ كما فى قولك: رأيت أسدا يرمى خ خ، أو أكثر؛ كقوله (١) [من الرجز]:

فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإنّ فى أيماننا نيرانا

ــ

خبره فى الجود مشهور، ومادر رجل من هلال بن عامر بن صعصعة، يضرب به المثل فى البخل، تقول العرب:" أبخل من مادر" لأنه سقى إبله فبقى فى أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه ومدر به حوضه بخلا أن يشرب من فضله.

القرينة قد تكون أمرا واحدا: ص: (وقرينتها إما أمر واحد إلخ).

(ش): لما قدم أن الاستعارة تفارق الكذب بنصب القرينة علم أنها لازمة لها، فتلك القرينة قد تكون أمرا واحدا، وقد تكون أكثر، والمراد بالقرينة ما يمتنع معه صرف الكلام إلى حقيقته. فالأمر الواحد مثل:" رأيت أسدا يرمى" فإن وصفه بالرمى بالنشاب قرينة أنه ليس الحيوان المفترس، والأكثر مثله المصنف يقول بعض العرب:

فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإنّ فى أيماننا نيرانا (٢)

أى سيوفا تلمع كأنها نيران، فقوله: تعافوا باعتبار كل واحد من تعلقه بالعدل وتعلقه بالإيمان قرينة لذلك، لدلالته على أن جوابه تحاربون وتقهرون بالسيف، كذا قال المصنف. وفيه نظر؛ لأن تعافوا العدل والإيمان إذا كان قرينة

فى حصول القهر، فالقهر لا يستلزم السيف، بل يستلزم مطلق العقوبة، فقد تكون بالنيران؛ لأن النار أحد أنواع القتال، فإن قيل: الغالب القتال بالسلاح قلنا: فالقرينة حينئذ ليست ما ذكر فقط، بل هى منضمة إلى هذا. وقول الطيبى: لأن العذاب بالنار لا يكون إلا للواحد القهار، كلام صحيح، إلا أنه استدلال عجيب؛ لأن قائل هذا البيت إن لزم كونه مؤمنا لذكره الإيمان فمن أين لنا أنه لم يتوعد بالنار، وقد يقع من المؤمن عصيانا أو تخويفا سلمناه أليس التوصل إلى الكفار بالتحريق جائزا عند الحاجة إليه بلا إشكال؟ ولو لم يكن جاز أن يراد نار الآخرة ولفظ الإيمان لا ينفى ذلك، على معنى أن أيدى المؤمنين كان فيها نار الآخرة مرسلة على الكفار - سلمنا أنه قرينة تصرفه إلى


(١) تعافوا: تكرهوا. نيرانا: أى سيوفنا تلمع كأنها النيران.
(٢) الإيضاح بتحقيقى ص ٢٦٠، والتلخيص فى علوم البلاغة ص ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>