للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإنه لما شبه المنية بالسبع فى الاغتيال أخذ الوهم فى تصويرها بصورته، واختراع لوازمه للمنية من الهيئات والجوارح، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتياله للنفوس به، فاخترع لها مثل صورة الأظفار ثم أطلق عليها لفظ" الأظفار". قلت: وهذه العبارة تقتضى أن" الأظفار" يكون بها قيام وجه الشبه، لا أنها من القسم الآخر، وهو ما يكمل به وجه الشبه، وقد تقدم عند الكلام فى الاستعارة بالكناية عكسه، فهذا مخالف لما سبق من كلامه فى التلخيص تلويحا، وفى الإيضاح تصريحا والمذكور هنا أقرب إلى الصحة، فإن بالأظفار يكمل وجه الشبه، لا يكون به قوامه، فإن الاغتيال يكون بالأنياب أيضا، وبقى هنا سؤال آخر على المصنف، وهو أن يقال: لا نسلم أن المنية ليس لها أمر عقلى من المقدمات، ولا شك أن له تحققا فى العقل يكون مشبها بالأظفار كما جعلتم للخوف والجوع لباسا متحققا فى العقل، فكانت استعارته تحقيقية فى قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (١) فإنكم قلتم: إن الاستعارة فيه تحقيقية، إما لأن المشبه فيه حسى ولا تفريع عليه، أو عقلى بأن يكون أريد باللباس الشدائد والدواهى، فكما جعلتم اللباس أريد به الشدائد الحاصلة من الجوع، وقلتم تحقيقية؛ لأن المشبه فيه متحقق فى

العقل، فاجعلوا مقدمات الموت المتحققة فى العقل أظفارا، ولا يرد هذا على السكاكى؛ لأنه جعل الاستعارة فى الآية خيالية، فاعترض المصنف عليه بأمور:

أحدها: أن فيما ذكره تعسفا لكثرة الأعمال المذكورة.

الثانى: أنه مخالف لتفسير غيره، فإن غيره فسرها بأنها جعل الشئ للشئ، أى على سبيل المبالغة، ومثلوه بقول لبيد:

إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها (٢)

فإن تفسيره يقتضى أن يجعل للشمال صورة متوهمة كصورة اليد، لا أن يجعل لها يدا، فإطلاق اسم اليد على تفسيره استعارة، وعلى تفسير غيره حقيقة، وإنما الاستعارة فى إثباتها للشمال، كما قلنا فى المجاز العقلى الذى المشبه فيه حقيقة. قلت: هذا من المصنف يقتضى أن المجاز العقلى استعارة بالكناية، وهو لا يرى ذلك، بل رد على السكاكى القول به، فهو مناقض لما قاله أوائل الكتاب، فليتأمل.


- ٢٦٠، وسمط اللآلى ص: ٨٨٨، وأمالى القالى ٢/ ٢٥٥، والصناعتين ص: ٣١٤، والإيضاح ص: ٢٧٧.
(١) سورة النحل: ١١٢.
(٢) سبق البيت ص: ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>