لزيادة الرحمة لا لتأكيد إثباتها، وأما قوله:" إن الكناية ليست أبلغ من التصريح فى المعنى" فيمكن الذهاب إليه وأن يقال: ليس" كثير الرماد" يدل على كرم لا يدل عليه" كثير القرى" ثم كثرة القرى ليست المكنى عنه، بل المكنى عنه" الكرم"، وكثرة القرى من جملة الوسائط بين المكنى عنه والمكنى به، وأما قوله:" إن التأكيد فيه للتشبيه" فممنوع على نحو منع ما قبله، وأما قوله:" تأكيد الإثبات فى رأيت الأسد" فكأن مراده إثبات وقوع الرؤية على الأسد، وإلا فتأكيد الإثبات يكون فى إثبات المسند للمسند إليه، فكان حقه أن يمثل:
" بجاءنى أسد" وأما تمثيله بقولك:" زيد والأسد سواء" فقد يقال: هذا المثال أخص من المدعى، فإن زيدا والأسد سواء من قبيل التشابه المستدعى لاستواء الطرفين، لا من قبيل التشبيه المستدعى لرجحان المشبه به، فلا يلزم من ثبوت التساوى بين التشابه والاستعارة إن سلمناه ثبوت التساوى بين التشبيه والاستعارة مطلقا كما ادعاه، بل الذى يظهر أن التشابه به أبلغ من الاستعارة؛ لأن فى الاستعارة أصلا وفرعا، وليس ذلك فى التشابه، وأما قوله: إنه إثبات الشئ ببينة" فقد يقال: إن هذا لا تحقيق له، وينبغى أن يقال: ادعاء الشئ ببينة، وحينئذ يتضح، أما قولنا:" إثبات الشئ ببينة مع جعلنا التأكيد إنما هو للإثبات، فليس فى إخباره بكثرة الرماد إثبات كثرة الرماد المستلزم للكرم، وبعد أن كتبت هذا الإشكال رأيت الإمام فخر الدين وقع عليه، فحمدت الله - تعالى - ثم عقبه الإمام فخر الدين باعتراض ثان وهو أن الاستدلال بوجود اللازم على الملزوم باطل؛ لأن الحياة لازمة للعلم، ولا يمكن الاستدلال بوجود الحياة على وجود العلم وفيما قاله نظر، وجوابه أن المراد اللازم المساوى، ولا مانع من الاستدلال به بمعنى المعرف، ولهذه الشبهة قال المصنف: إن الانتقال فى الكناية من الملزوم إلى اللازم، وأما موافقة المصنف له على هذه العلة، ومخالفته له فى أن التأكيد للإثبات، بل للمستعار له، ففيه نظر؛ لأن البينة لا تفيد زيادة فى الحق، إنما تؤكد المدعى به، وإنما تختلف حاله بالبينة وعدمها فى إثباته، كما قال عبد القاهر، لا فى كثرته وقلته، فكان من حق المصنف كما منع كلام عبد القاهر أن يمنع دليله وينتقل لدليل منعه، وأما قول المصنف فى الرد على عبد القاهر، فقد رد عليه بنفس دعوى مخالفته، فكان من حقه أن يرد عليه بدليل صحيح، وأما قوله:" الأصل فى التشبيه أن يكون المشبه به أتم فهذا التعميم مخالف لقوله فيما سبق أنه يكون أتم فى بعض الصور دون بعض، ثم هذا القدر لا يحصل به مقصوده؛ لأن لعبد القاهر أن يقول:" والتشبيه المعنوى موجود فى الاستعارة"
وبالجملة الذى قاله المصنف هو الحق، ولكنه لم يتوصل إليه بطريقه.