للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تنبيه): قولنا فى هذا الفصل كله:" الكناية والمجاز أبلغ" هو بالمعنى اللغوى كقولنا:

" فعيل أبلغ من فاعل" وليس من البلاغة المصطلح عليها فى هذا العلم لأمرين: أحدهما: أن تلك لا تكون فى المفرد، ولا شك أن المجاز، والكناية يكونان مفردين غالبا، نعم ما ذهب إليه عبد القاهر من أن الأبلغية فى الإثبات يمشى معه فى تسمية ذلك بلاغة بالاصطلاح.

الثانى: أن أبلغ" أفعل تفضيل" فإذا حملت على المعنى اللغوى كان على بابه من التفضيل، لأن الحقيقة بالغة للمقصود بكل حال، فالمجاز أبلغ منها، فإذا حملناه على الاصطلاحى كان من بلغ بالضم وهو دليل على حصول البلاغة فى الحقيقية، وليس كذلك؛ لأن الحقيقة المجردة لا بلاغة فيها، فلا يكون من بلغ بالضم بل من بلغ بالفتح.

(تنبيه): لم يتعرض المصنف للتفاوت بين أنواع الاستعارة، والذى يظهر أن الاستعارة بالكناية أبلغ من التصريحية، وبه صرح الطيبى، ولا إشكال فيه على رأى السكاكى، فإنها كالجامعة بين الاستعارة والكناية، وأما على رأى المصنف، فإن وافق على ذلك كان هذا واردا عليه فى قوله:" إن المجاز أبلغ من الحقيقة، وإن الاستعارة أبلغ من التشبيه" لأن الاستعارة بالكناية عند المصنف تشبيه، وحقيقة لا مجاز، إلا أن يقول: الاستعارة بالكناية إنما كانت أبلغ لاشتمالها على المجاز العقلى، كما اقتضاه كلام المصنف فى هذا الباب، لا كما اقتضاه كلامه فى علم المعانى حين تكلم على المجاز العقلى، وأما الاستعارة بالتمثيل فالظاهر أنها أبلغ منهما كما يقتضيه كلام الزمخشرى عند قوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (١) ثم تتفاوت كل واحدة من هذه الاستعارات الثلاث إلى درجات تظهر مما سبق بالتأمل، وأما الكناية والاستعارة، فالظاهر أن الاستعارة أبلغ، لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة، والظاهر أن أبلغ أنواعها ما كان المكنى عنه فيه تشبيه، ثم ما كان صفة، ثم ما لم يكن واحدا منهما.

(تنبيه): الكناية والاستعارة قد يكون كل منهما إنشاء وقد يكون خبرا، وهذا واضح، وأما التشبيه فالذى يظهر أنه خبر، لأن قولك:" زيد كعمر" له خارجى وهو المشابهة لكن فيه خلاف حكاه الوالد فى تفسيره المسمى بالدر النظيم، واختار أنه خبر عما فى نفس المتكلم من التشبيه كما أن حسبت خبر عن حسبانه، قال: و" لا يختلف الحال فى ذلك بين كأن والكاف، غير أن كأن صريحة فى ذلك من جهة أن موقعها أن تقوى الشبه حتى يتخيل أو يكاد يتخيل أن المشبه هو المشبه به، والكاف محتملة له، وللإخبار عن المماثلة الخارجية كقولك:" مثل". هذا آخر علم

البيان بحمد الله ومنه، فله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.


(١) سورة الزمر: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>