للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بالتوافق خلاف التقابل؛ نحو: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً (١)، ونحو قوله [من البسيط]:

ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرّجل

ونحو: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (٢)، المراد باستغنى: أنه زهد فيما عند الله تعالى كأنه مستغن عنه؛ فلم يتّق، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة؛ فلم يتّق.

ــ

يعتبر التنافى، وصاحب بديع القرآن شرط فى المقابلة أن تكون بأكثر من اثنين من الأربعة إلى العشرة، وعلى هذا المراد" بالتوافق" ليس" التناسب"، بل خلاف التقابل مطلقا سواء كانا متناسبين أم لا، ولا شك أن الطباق كله

تقابل كما سبق فى حده، فاسم التقابل صادق عليه إلا أنهم اصطلحوا على تسمية هذا النوع فقط تقابلا، وهو ما كان الطباق فيه مكررا، فإن قلت: إذا كان التقابل المراد أخص من الطباق فكيف يدخل فى الطباق، والأخص لا يدخل فى الأعم بل الأعم يدخل فى الأخص؟ قلت: كثيرا ما يقال عن الفرد: إنه داخل فى الجنس، والمراد إعلام أنه فرد من أفراد الجنس غير خارج عنه، لم يريدوا دخول النوع بجميع أجزائه بل دخول ما فيه من حصة الجنس، وذلك إما أن يكون تقابل اثنين باثنين كقوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً وتوافق الضحك، والقلة لكونهما لا يتقابلان، وكذلك البكاء مع الكثرة، وإما تقابل ثلاثة بثلاثة كقوله:

ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرّجل (٣)

فقد قابل أحسن بأقبح والدين بالكفر والدنيا بالإفلاس، والمراد بالدنيا اليسار والواو فى قوله:" والإفلاس" إما أن تجعل بمعنى المعية، وإما أن يكون الإفلاس مفعولا معه، ويدل على إرادة المعية قوله فيما قبله: إذا اجتمعا، وإما تقابل أربعة كقوله تعالى:

فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى فقد قابل أربعة بأربعة، فإن" أعطى" يقابل" بخل" و" اتقى" يقابل" استغنى" و" صدق" يقابل كذب واليسرى يقابل العسرى والمراد


(١) سورة التوبة: ٨٢.
(٢) سورة الليل: ٥ - ١٠.
(٣) البيت لأبى دلامة، الإيضاح ص ٣٤١، العمدة ج ٢ ص ١٧، معاهد التنصيص ج ٢ ص ٢٠٧، الإشارات ص ٦٣، شرح عقود الجمان ج ٢ ص ٧٣، نهاية الأرب ج ٧ ص ١٠٢، شرح السعد ج ٤ ص ٨٤، المصباح ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>