للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزاد السكاكى: وإذا شرط هنا أمر، شرط ثمّة ضدّه؛ كهاتين الآيتين؛ فإنه لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق، جعل ضدّه مشتركا بين أضدادها.

ــ

باستغنى لم يتق، أى: زهد فيما عند الله كأنه مستغن عنه فلم يتق أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة واعلم أن هذا ليس من الطباق كما زعم المصنف بل من الملحق به فإن استغنى ليس بمضاد لاتقى بل الغنى سبب لعدم الاتقاء المضاد لاتقى كما تقدم فى قوله: لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (١) هذا ما ذكر المصنف هنا، وزاد فى الإيضاح أنه قد يكون مقابلة خمسة بخمسة، كقول المتنبى:

أزورهم وسواد اللّيل يشفع لى ... وأنثنى وبياض الصّبح يغرى بى (٢)

قال المصنف: وفيه نظر؛ لأن الباء واللام فيهما صلتا الفعلين فهما من تمامهما، وهذا بخلاف اللام وعلى فى قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (٣) وزاد السكاكى فى التقابل شرطا، وهو أنه إذا شرط هنا أمر شرط، ثم ضده، كقوله تعالى:

فَأَمَّا مَنْ أَعْطى (٤) الآيتين (٥) فإنه تعالى لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء، والاتقاء، والتصديق جعل ضده مشتركا بين أضدادها، وفى هذا الكلام نظر؛ لأن التيسير ليس شرطا جعل فى أحدهما، فجعل فى الآخر ضده، بل هو مشروط للأمور الأولية فجعل مشروطا للأمور الثانية، ثم قوله:" لما جعل التيسير مشتركا بين هذه الأمور جعل ضده مشتركا بين أضدادها" يقتضى أنه جعل ضد التيسير فى الآية الثانية، وليس كذلك بل التيسير فيهما مذكور مطلوب جعل كليا صادقا على الطرفين، ليس فى أحدهما هذا الأخير غير أن متعلق التيسير الأول وهو الميسر له ضد متعلق الثانى.


(١) سورة القصص: ٧٣.
(٢) البيت للمتنبى فى ديوانه، الإيضاح ص ٣٤٢، سر الفصاحة ص ١٩٣، الإشارات ص ٢٦٣، تحرير التحبير ص ١٨١، شرح عقود الجمان ج ٢ ص ٧٤، تجريد البنانى ص ٢١٨، الإبانة ص ٩١، البديع لابن منقذ ١٣، نهاية الأرب ج ٧ ص ١٠٣، الوساطة ص ١٦٣، المصباح ص ١٩٤.
(٣) سورة البقرة ٢٨٦.
(٤) سورة الليل: ٥.
(٥) ٥، ٦ نفس السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>