للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: نحو قوله [من المنسرح]:

يا خير من يركب المطىّ ولا ... يشرب كأسا بكفّ من بخلا

ومنها: مخاطبة الإنسان نفسه؛ كقوله [من البسيط]:

لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال

ــ

تقديره: أو يموت منى كريم يقتضى أن التقدير الذى ذكره إنما يكون على القول الثانى، وليس كذلك، لأنه سواء كان تجريدا أو لا، فتقدير منى لا بد منه، وبهذا تعلم أن قوله: فيه نظر، لا يعود على القول الثانى، وقيل: إن وجه النظر هو أن الأصل عدم التقدير اللفظى، لأنا إذا قدرنا: يموت منى كريم وجعلناه تجريدا بحرف، كان فيه حذف لفظى، الأصل عدمه ومنها نحو قوله:

يا خير من يركب المطىّ ولا ... يشرب كأسا بكفّ من بخلا (١)

فإنه جرد من كفه كف غير بخيل، والإشارة بهذا النوع إلى تجريد ما لم يقصد به التشبيه، وهو بغير حرف، وهو كالذى قبله، إلا أن أو يموت كريم تجريد بمنطوق، وهذا تجريد بمفهوم، لأن قوله: بكف من بخلا ليس فيه تجريد، بل مفهومه أنه يشربها بكف من لم يبخل، فكأنه جرد من نفسه غير بخيل، وأثبت بالمفهوم أنه يشربها بكفه. وقد أنكر الطيبى أن يكون هذا تجريدا؛ لأن التجريد يكون من منطوق، لا من مفهوم. وقيل: إن قوله: بكف من بخلا كناية، وفيه نظر، لأن الكناية لا تنافى التجريد، ومنها أن يكون بغير حرف، ولا يقصد التشبيه، وهذا هو الذى قبله، إلا أن هذا اختص بنوع، وهو مخاطبة الإنسان نفسه، كقوله أى المتنبى:

لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال (٢)

قلت: وقد يكون ذلك بغير المخاطبة، فإن قيل: أين المبالغة فى التجريد بخطاب الإنسان لنفسه؟ قلت: كأنه يجعل نفسه لكمال الإدراك، كأن فيها نفسا أخرى، ومن


(١) انظر الإيضاح الفقرة ٢٤٣، ص ٣١٦.
البيت للأعمش الأكبر أعشى قيس.
(٢) البيت من البسيط، وهو لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه ٢/ ٢٢٠، وهو ضمن قصيدة قالها يمدح بها أبا شجاع فاتك المعروف بالمجنون عند ما قدم من الفيوم إلى مصر فوصل أبا الطيب وحمل إليه هدية قيمتها ألف دينار فقال يمدحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>