للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: ما تضمّن نوعا حسنا من التخييل؛ كقوله [من الكامل]:

عقدت سنابكها عليها عثيرا ... لو تبتغى عنقا عليه لأمكنا

وقد اجتمعا فى قوله [من الطويل]:

يخيّل لى أن سمّر الشّهب فى الدّجى ... وشدّت بأهدابى إليهنّ أجفانى

ومنها: ما خرّج مخرج الهزل والخلاعة؛ كقوله [من المنسرح]:

أسكر بالأمس إن عزمت على الش ... شرب غدا إنّ ذا من العجب

ــ

ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل، كقوله يعنى: أبا الطيب:

عقدت سنابكها عليها عثيرا ... لو تبتغى عنقا عليه لأمكنا (١)

وفى جميع هذه الأمثلة وكونها من المستحيل عقلا، نظر، إذ العقل لا يمنع أن يضئ الزيت، وأن يخرج الفرس عن ظله، وأن تعقد حوافر الخيل غبارا ويتكاثف حتى يمكن السير عليه، ولا استحالة فى انعقاد الغبار، وقد اجتمعا فى قوله، أى قول الأرّجانى يصف الليل بالطول:

يخيّل لى أن سمر الشهب فى الدّجى ... وشدّت بأهدابى إليهنّ أجفانى (٢)

فإن لفظة يخيل لى تقربه إلى الصحة؛ وفيه نظر، لأنها تجعله صحيحا لأن قوله: يخيل لى ممكن بأن يكون خيالا فاسدا، وفيه تخييل بليغ، وهو تسمير الشهب فى الدجى، ومنها ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة، كقوله:

أسكر بالأمس إن عزمت على الش ... شرب غدا إن ذا من العجب (٣)

عنه إنه كثير الرحمة لم تبالغ، وكما أنك إذا قلت: عندى ألف ليس فيه مبالغة بالنسبة إلى من قال: عندى واحد، ولا بد فى المبالغة من تجوز، نعم تحسن المبالغة إذا قلت: زيد رحيم خ خ، ولم يكن كثير الرحمة، بل أردت أن تبالغ فى الرحمة اليسيرة الواقعة منه لغرض من الأغراض، فهذه حينئذ مبالغة، وكذلك إذا قلت: عندى ألف رجل وأردت مائة تعظيما لهم فقد تبين بذلك أن هذه الألفاظ ليست موضوعة للمبالغة البديعية، وأن من يطلق عليه المبالغة، فذلك بحسب اصطلاح النحاة واللغويين،


(١) البيت للمتنبى فى شرح التبيان للعكبرى ٢/ ٤٥٦، والإشارات ص ٢٧٩.
(٢) البيت للقاضى الأرجانى كما فى الإشارات ص ٢٨٠، والإيضاح ص ٣٢٠ بتحقيقى.
(٣) البيت أورده بلا عزو محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>