للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نظرا إلى ما دل عليه بالنسبة إلى ما دل عليه مطلق اسم الفاعل، فليتأمل. ثم قال الرمانى:

من المبالغة التعبير بالصفة العامة فى موضع الخاصة، كقوله عز وجل: خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (١) قال: وكقول القائل: أتانى الناس ولعله لا يكون أتاه إلا خمسة، فاستكثرهم وبالغ فى العبارة عنهم. قلت: هذا صحيح، إلا أن التقييد بالخمسة لا أدرى مستنده فيه، وقد أطلق الناس على واحد، كقوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ (٢) وأريد نعيم بن مسعود على ما ذكره جماعة على أن الشافعى رضى الله عنه نص على أن اسم الناس يقع على ثلاثة فما فوقها، وأن المراد بالناس فى قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ «٢» أربعة ثم جعل الرمانى من المبالغة إخراج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم للمبالغة كقوله تعالى:

وَجاءَ رَبُّكَ (٣)، فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ (٤) وإن كان المراد جاء أمره، وجعل من المبالغة إخراج الممكن إلى الممتنع مثل قوله تعالى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ (٥) وجعل من المبالغة إخراج الكلام مخرج الشك، ومثله بقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦) ونحو قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ (٧) وجعل منه حذف الأجوبة للمبالغة نحو: وَلَوْ تَرى (٨) وهذا كله عرف مما سبق من علم المعانى والبيان. قال عبد اللطيف البغدادى: ومتى وقعت المبالغة فى قافية سميت إيغالا وهو أن يأتى البيت تاما من دون القافية، ثم تأتى القافية لحاجة البيت إلى الوزن فيزداد المعنى جودة وأنشد:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الّذى لم يثقّب (٩)

وقد تقدم هذا فى باب الإيجاز والإطناب.

(تنبيه): سمعت بعض المشايخ يقول: إن صفات الله - تعالى - التى هى على صيغة المبالغة كغفار، ورحيم وغفور، ومنان، كلها مجازات، وهى موضوعة للمبالغة ولا مبالغة


(١) سورة الزمر: ٦٢.
(٢) سورة آل عمران: ١٧٣.
(٣) سورة الفجر: ٢٢.
(٤) سورة النحل: ٢٦.
(٥) سورة الأعراف: ٤٠.
(٦) سورة سبأ: ٢٤.
(٧) سورة الزخرف: ٨١.
(٨) سورة السجدة: ١٢.
(٩) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٥٣، ولسان العرب ٨/ ٤٨ (جزع)، وأساس البلاغة ص ٥٨ (جزع)، وكتاب العين ١/ ٢١٦، وتاج العروس ٢٠/ ٤٣٤ (جزع).

<<  <  ج: ص:  >  >>