يعرف به أحوال اللفظ أخرج به ما يعرف به أحوال غير اللفظ من أحوال المعنى فقط وغيره، واللفظ نفسه لا يقال: علم المعانى يعرف به أيضا أحوال المعنى كالإسناد فإنه معنى؛ لأن المرجع فى ذلك إنما هو إلى اللفظ. وقوله:(العربى)؛ ليخرج غيره فإنه إنما يتكلم فى قواعد اللغة العربية، وإن كانت هذه المعانى يمكن تنزيلها فى كل لغة على قواعد تلك اللغة، ولم يذكر هذا القيد فى علم البيان، وفى كتاب أقصى القرب للقاضى التنوخى ما يقتضى أن الفصاحة لا تكون إلا فى كلام العرب، والبلاغة تكون فى جميع اللغات، كما سبق. وفيه نظر؛ لأن كل لغة فيها تنافر الحروف والغرابة ومخالفة قياسها، فإذا أخلصت الكلمة الأعجمية من ذلك، صدق عليها حد فصاحة الكلمة.
وقوله:(التى بها يطابق مقتضى الحال) قال الخطيبى: يخرج علم البيان، والبديع قال: وفيه نظر؛ لأن المصنف فسر مقتضى الحال بالاعتبار المناسب، ولا شك أن العلوم الثلاثة داخلة فى ذلك.
(قلت) يخرجهما قوله: (يطابق) فإنه قدم المعمول، فأفاده الاختصاص، والأحوال التى لا يطابق مقتضى الحال إلا بها هى التى فى علم المعانى، وما فى العلمين بعده يحصل المطابقة به، وبدونه. ثم أقول: يحترز بقوله: التى بها يطابق عن علم التصريف والنحو غيرهما، وقيل: إن المنطق خرج بقوله: اللفظ؛ لأن المنطق وإن بحث فيه عن اللفظ، لكن معظم النظر فيه فى المعنى، وقيل: إنه لا يخرج، وإليه يشير كلام الشيرازى فى شرح المفتاح.
واعلم أن المصنف عدل عن حد المفتاح، وهو قوله: تتبع خواص تراكيب الكلام فى الإفادة، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره؛ ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ فى تطبيق الكلام على ما يقتضى الحال ذكره، وأورد عليه أن التتبع ليس بعلم، وأنه قال:
أعنى بالتراكيب تراكيب البلغاء، ومعرفة البليغ متوقفة على معرفة البلاغة، وقد حدها بقوله: هى بلوغ المتكلم فى
تأدية المعنى حدا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها، فإن أراد بالتراكيب فى هذا لحدّ تراكيب البلغاء، فقد جاء الدور، فإنا لا نعرف حد المعانى حتى نعرف تراكيب البلغاء ولا نعرف تراكيب البلغاء حتى نعرف البلاغة، وإذا علمنا البلاغة فقد وصلنا إلى حد تعرف به توفية خواص التراكيب حقها، وإن لم يكن أرادها فالحد غير مفيد قلت: أما قوله: التتبع ليس بعلم فصحيح.