في ظلال هذين البطلين نَعِمَ الوجود بهذه المؤسسة الخالدة, وباسمهما اقترن هذا المعهد الشامخ الذي أفنى القرون جداره، ومشى على يبس المشارق نوره, وكلما رطب الألسن حديثٌ عن الأزهر تطلع واستشرف إلى المعز وجوهر، هما أهدياه إلى الدنيا نورًا, وإلى الدين والعلم نصيرًا, وإلى اللغة والبيان ظهيرًا.
المعز لدين الله:
"أبو تميم معد" رابع الخلفاء الفاطميين بالمغرب, وأولهم بمصر، ولد "بالمهدية" عاصمة الدولة الفاطمية بالمغرب, في منتصف رمضان سنة "٣١٩هـ-٩٣١م" وتولى الخلافة بعد أبيه "المنصور بنصر الله" سنة "٣٤١هـ-٩٥٢م" وهو فتىً في الرابعة والعشرين من عمره.
وكان الخلفاء الفاطميون منذ استقر ملكهم بالمغرب يستشرفون لمصر، ويتطلعون إلى جارتهم الشرقية؛ فمصر بخصها وبثروتها ومواردها, وموقعها الذي تحسد عليه من أقطار الأرض, كانت الحلم الذهبيَّ لملوك الفاطميين، ومن ثَمَّ أوفدوا حملاتٍ, وجهزوا جيوشًا لغزوها، ولكنها باءت بالفشل, ولم يدن ذلك الأمل العذب إلّا بيد "المعز" وقيادة جوهر القائد العظيم.
وكانت كتب "جوهر" تتوالى على "المعز" لاستدعائه إلى مصر، واحتثاثه على الوفود إليها، وقد أرسل إليه "جوهر" يخبره بانتظام الحال "بمصر" و"الشام" و"الحجاز" وإقامة الدعوة له بهذه الأقطار, فسر "المعز" بذلك، وقدم إلى "مصر" بعد فتحها بأربع سنوات وعشرين يومًا, أي: سنة ٢٦٢هـ, متسمًا بصفة الإمامة أكثر من صفة الزعامة, ويبدو في مواكبه وشعائره الدينية حريصًا على مظاهر الإمامة ورسومها، وقد سجَّل "الحسن بن زولاق" المؤرخ المصريّ كثيرًا من هذه المظاهر التي يظهر فيها المعز إمامًا دينيًّا أكثر منه ملكًا سياسيًّا في صلاته ونسكه، وفي ركوعه وسجوده، ثم في خطبه ومواعظه.