رسالة الأزهريين دينية خلقية، ينشرون دين الله في الأرض، ويحضون على الفضائل جهدهم، ويدعون إلى مكارم الأخلاق بكل أسلوب، ومن ثم كان طابعهم الجلال وسمتهم الزماتة والوقار، وحديثهم النقي العفيف، يحرصون كل الحرص على أن يكون شعرهم بعيدًا من الفحش لإمامتهم في الناس، ويجهدون أنفسهم في مجانبة ما لا يتفق مع هذه النزعة، أو يجافي ذلك الاتجاه.
وفي هذا الأفق ينظر علماء الأزهر إلى الشعر، وبهذه المثابة يرون رأيهم فيه، فلم يكن من الجائز في نظرهم أن يسرفوا في قول الشعر هجاء وملاحاة، أو يمنعوا في قرضه خوضا في عرض. أو تأريثا لعداوة، ولم يعهد فيهم أن يقولوا الشعر لا يتحرزون فيه عن ذكر الغافلات المقصورات في خدورهن، ورأوا من كرامة العلماء أن يعفوا عن المبالغة في المدح والإطراء، والتدلي إلى الكذب والتجني على الناس، وإذا حاموا حول ذلك في شعرهم، فبقصد واعتدال دون إغراق ولا مغالاة، وهذا الشعور من العلماء، وتلك النظرة منهم إلى الشعر كانت جناية في كثير من الأحيان على كثير من فنون الشعر وأغراضه، فقد أنفوا أن تفيض شاعريتهم في ألوان مختلفة تهتز لها الأسماع، وتخفق لها القلوب، فكان ذلك مضعفا لشعرهم فوق ما ضعف به من ضيق خيالهم، وأفقهم المحدود الذي يعيشون فيه.
والشعر في رأى الشاعر الذي لا يتزمت، ولا يتعفف خيال وتصوير وافتتان لا تحرج ولا تصون فيه، وأعذبه في رأيه أكذبه كما يقولون، ولكنه عندهم في هذا المتجه مجافاة لرسالتهم وزراية بمكانتهم، وذلك هو الذي حمل العلماء على أن يطووا صفحة فيها مجون وطرب، وفيها خفة وغزل، وألا ينشروا