كان جل شعراء العصر الحاملون لواء الشعر المعبرون به عن معاني الحياة حسبما تواتي لهم من القرائح، وتهيأ لهم من الأسباب من الأزهر، رضعوا أفاويقه واغتذوا بثقافته العربية، ومن الطبعي أن يكونوا وهم بهذه المثابة قدوة الناشئين، وإمام المبتدئين يهتدون بتراثهم، وينشأون على غرارهم وينزعون في قوسهم، ولو جهدوا في المخالفة وجدوا في المجافاة، وليس ينكر أثر المتابعة والاقتداء في الأفكار والأساليب، وشعراء الأزهر إذ ذاك زعماء يوجهون وقادة يتبعون، فليس بدعا أن يسايرهم غيرهم وأن يدرجوا على أساليبهم، ويمضوا في طريقهم صعدا، وإذا ساغ لفريق من الشعراء المعاصرين أن يتخطوا الأجيال، والعصور إلى شعراء الجاهلية، فيقلدوهم في طريقتهم، وينزعوا إلى محاكاتهم، ويديروا شعرهم على أسلوب العرب الضاربين في الفلا والبيد، فيتغنوا بالعيس ويخاطبوا النؤى ويسائلوا الدمن والأطلال، ويتشمموا الشيح والعرار على طول الزمن وترامي الأمد إذا ساغت المتابعة على انقطاع ما بين التليد والطارف، والماضي والحاضر، فأولى بها أن تكون بين معاصر ومعاصر وأولى بالتأثر أن يكون بالشاعر الذي يرى ويشاهد، ويقول ويسمع، ويغشى ناديه ويتلقى أدبه بالمشافهة والاستماع.
وإن الأبصار لتقلب في دواوين القدامى، وتغوص في آثار الراحلين على انقطاع الصلة طلبا للاقتداء والتماسا للمحاذاة، وأقل من ذلك عناء للشاعر أن يلي داعي المسايرة لشعر يطرق سمعه بالرواية المعاصرة، ويصافح إذنه من ألسنة قائليه، ويتهادى إليه في الصحف كلما سنحت فرصة، أو واتت مناسبة.
هذا وقد كان فريق من فحول اللغة والأدب في الأزهر أساتذة الرعيل الأول من نابهي الشعراء في هذا العصر الرافعين علمه المقيضين له أسمى وأرفع المنازل، أخذ هؤلاء الشعراء الذين تفاخر بهم العربية، وتباهي بهم