كان "محمد علي باشا" غيورا على مجد بلاده, حريصًا على نهضتها, شديد الرغبة في أن تجاري أوربة في حضارتها وأن تنهج نجتها في علومها وآدابها وفنونها ومعارفنها، وقد استعان بالغربيين فترةً من الزمان, واستقدم طائفةً منهم لينشروا في بلاده نهضة الغرب, وينقلوا لمصر ثمرات رقها وأفكارها.
ولكنه كان بعيد النظر, راجح الرأي؛ إذ رأى أن من الخطر أن تعيش بلاده عالةً على أوربا تستجدي يدها, وتطلب معونتها, ويظل شعبه جامدًا لا ينهض, خاملًا لا يسعى, على حين أن له من ذكائه ما يجعله أهلًا لأن يقوم على شئونه مستقلًا عن غيره, ولا سيما بعد أن تعبَّدَ له الطريق, وتهيأت له الأسباب.
على أن هؤلاء الأجانب كانوا يبطئون الخطا, ولا يغذون السيْرَ، ومما يؤيد ذلك, أن فريقًا من هؤلاء الأجانب كانوا يتولون الترجمة مع المصريين الذين عادوا من أوربا, ولوحظ أن فريقًا منهم يخدع الحكومة ويراوغها؛ إذ ينح عمل ستة أشهر في مدى خمسة أعوام١.
ولم يكن "محمد علي" ليجد من نفسه صبرًا إلى أن يبلغ ما يريده لبلاده عن طريق الأجانب, بل كان يسبق الزمن, ويتخطى الأيام؛ ليحقق ما يأمله لشعبه من تقدم وارتقاء.
هذه هي العوامل التي كانت تجول في صدر هذا الوالي وتجول في خاطره
١ دفرت ٤٨ معية" رقم ٢٣ إلى محمود بك في ٢٨ جمادي الأولى سنة ١٢٤٨هـ.