[تاريخ التعليم في الأزهر]
كان المسجد في العصور الماضية مركزًا للحياة الإسلامية, يقيم المسلمون فيه صلواتهم, ويعقدون به مجالس قضائهم, ويدعون إلى مذاهبم الخاصة, ويتحدثون فيه عن شئونهم العامة, ويودعون في خزائنه كتبهم ومخطوطاتهم، ثم هم فوق ذلك يتخذون من رحابه وجنباته مجالس للدرس والتعليم, يجلس فيها الأساتذة, يهفو إليها الراغبون في العلم, متنقلين كالطير في أرجائها, غير مقيدين بنظم أو برقابة.
وكان مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط, أول مدرسة دينية في مصر, ولم يكن يدرس به إذ ذاك إلّا علم اللغة والدين؛ من قرآن وحديث.
ثم كان من بعده مسجد أحمد بن طولون مقرًّا هامًّا لتلقي هذه العلوم, التي كانت وحدها مقومات الفكر في ذلك الوقت.
حتى إذا فتح الفاطميون مصر, وأسسوا بها القاهرة, اتجهت رغبتهم إلى مؤسسةٍ دينيةٍ تنافح عن مذهبهم الشيعيِّ, وتدعو إليه, فأنشأوا الجامع الأزهر، وتمَّ للفاطميين غرضهم بعد ذلك بعامين, حين عين له العزيز بالله بن المعز لدين الله أساتذته الأولين.
ولم تكن الدراسة إذ ذاك تعدو اللغة العربية والدين والفقه.
ثم جاء الأيوبيون فأغضوا عن الأزهر بإنشاء المدارس الأخرى, ودُرِّسَ بها المذهب الشافعيُّ, وإن صحبته المذاهب الأخرى، وأخذت مدارسهم تجتذب إليها كثيرين ممن كان الأزهر يزخر بهم، وبلغ عددهم زمن المقريزي، خمسًا وأربعين مدرسة، وكان الأيوبيون ومن حذا حذوهم, يتأنقون في بنائها وزخرفتها, ويجعلون فيها خزائن للكتب, ويجمعون لها نفائس المخطوطات؛ في الحديث والفقه وغيرهما من العلوم، ويقفون عليها الأوقاف, ويعينون لها الأساتذة؛ فينقطعون للعلم والدرس.
وبعد أحقابٍ طوالٍ تطور الأزهر مع الزمن, وتأثر بالحركة الثقافية؛ فبدأت به دراسة الفقه على المذاهب الأربعة, وبعض العلوم الأخرى؛ كالحساب والهندسة والفلك، ومن ذلك الوقت, أصبح للأزهر أهميةً بالغةً, وشهرةً ذائعةً في ربوع العالم كله, وتَكَوَّنَ في مصر جَوٌّ علميٌّ راق, يمد الطلاب بقسطٍ وافرٍ من علوم الحياة, ويهيئ للأساتذة العلماء فرصة الانقطاع للدرس, وأخذ العلم ينبعث من أقطار الأزهر, ويشع في مختلف البلاد الإسلامية، وأصبح شرفًا عظيمًا أن ينتسِبَ الطالب إليه.
ولكن العناية انقبضت عن الأزهر في مستهلِّ القرن السادس عشر الميلاديِّ؛ إذ أخذ الضعف يدب فيه وقت الفتح العثمانيّ, وركدت علوم اللغة