"حافظ" رحمه الله أحد الشعراء الذين تفخر بهم العربية في هذا العصر، ولواء من ألوية الشعر الخفاقة في هذا الجيل، وقد كان هبة الإمام "محمد عبده" إلى الحياة، وغرسه الذي نما في رعايته.
فحين عاد "حافظ" من السودان إلى مصر واستقال من الجيش، اتصل بالشيخ "محمد عبده" وفرغ للأدب، فبدأ من ثم تكوينه الأدبي المندمج المحكم، وكان شعره من قبل ظاهر المتكلف، واهن النسج مضطرب الفكرة لم تنضج موهبته، ولم تشرق عبقريته.
درس في مدرسة الشيخ "محمد عبده" من سنة ١٨٩٩م إلى سنة ١٩٠٥م، وهذا الإمام رحمه الله كان من كل نواحيه رجلا فذا١، وكأنه نبي متأخر عن زمنه فأعطى الشريعة ولكن في عزيمته، ووهب له الوحي ولكن في عقله، واتصل بالسر القدسي ولكن من قلبه، ولولا هو ولولا أنه بهذه الخصائص لكان "حافظ" شاعرًا من الطبعة الثانية، فإنه من الشيخ وحده كانت له هذه القوة التي جعلته يصيب الإلهام من كل عظيم يعرفه، وكان له من أثرها الشعر المتين في وصف العظماء العظائم.
إلا أن حافظا وجد في الإمام ما هو أسمى من ذلك في النفس والجاذبية، وبهره منه ما هو عليه من ذوق الأدب والبلاغة، وحضر دروس الإمام في المنطق وأسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز، فنضج منها أسلوبه المتكن، وذوقه الدقيق ولازمه وحضر مجالسه، فكانت مادة موضوعاته الاجتماعية وأغراضه الوثابة، وكشف له من الشيخ عن آراء في الفكر والسياسة، والمسائل التي تشغل مصر والشرق، فطبع عليه متأثرا بها، وحضر نظرات عينية، وخرج
١ نقلنا ذلك عن بحث للمرحوم مصطفى صادق الرافعي في المقتطف "٢٠ من ذي القعدة سنة ١٣٤٣هـ -أول يونيه سنة ١٩٢٦م".