[محمد عمر التونسي]
المتوفى سنة "١٣٧٤هـ-١٨٥٧م"
نشأته وحياته:
هو محمد بن عمر بن سليمان التونسي, كان من المتفوقين المجدين في معرفة اللغات والمصطلحات العلمية, ولد سنة ١٠٢٤ هـ بتونس, وكانت أمه مصرية, فحملت به في مصر, وكان أبوه عمر التونسي, طالبًا بالأزهر, وجده سليمان من أشراف تونس، وقد فَصَّلَ محمد التونسي تاريخ أسرته في رحلته التي سنتحدث عنها, وكيف أنه رحل إلى السودان, ورجع منها رقيق الحال, ضيق اليد, فعكف على تحصيل العلم, وكان محمد علي قد مَدَّ يده لإنهاض البلاد وإحياء آدابها, مُعوّلًا على الشباب الناهض فيها, فوجد التونسي الفرصة سانحةً لتقدير مواهبه, وظهور فضله, فأخذ في الجد في الأزهر, وتهيأ له أن يكون واعظًا في جيش إبراهيم باشا في أثناء حملته إلى بلاد العمورة.
ولما عاد من حملته كانت مدرسة أبي زعبل قد أنشئت, وأخذ النقلة في نقل كتب الطب وغيرها, فعُيِّنَ مصححًا للكتب بها, وأعجب به الدكتور "برون" وارتاح إلى أدبه, فقرأ عليه كتاب "كليلة ودمنة" ولمع نجمه في التحرير والتصحيح, وامتاز من بين زملائه بمعرفة المصطلحات العلمية بالعربية، فكانوا يرجعون إليه في تحقيقها, ويطلقون عليه: "مصحح كتب الطب ومحررها".
وكانوا إذا أرادوا أن ينقلوا كتابًا في أوائل إنشاء مدرسة الطب وجدوا مشقةً في إيجاد الألفاظ العربية الملائمة للألفاظ الفرنجية في الكتب المترجمة, فيضطرون إلى الرجوع إليه في تحرير الكتب.
على أنه كان بارعًا في صياغة الألفاظ والمعاني في قالبها العربيّ, ومن ثَمَّ كان تعويلهم عليه؛ كما فعلوا في تنقيح كتاب "الدرر الغوال في علما أمراض الأطفال" الذي ألَّفَه كلوت بك, فقد نقله الدكتور محمد شافعي بك من الفرنسية إلى العربية, ثم عرضه قبل طبعه على التونسي فحرره ونقحه.
وكذلك فعل في كتاب "كنوز الصحة" لكلوت بك, و"الجواهر السنية في الكمياء" لبرون بك, وقد بذل التونسي في تحرير هذه الكتب, والبحث عن المصطلحات العربية, جهودًا جبارةً, كما حرر كتاب "النبات" "لفييجري بك, وترك آثارًا قيمة, ومآثر جليلةً دالةً على فضلة, نعرض أهمها: