استأثر الأزهر بالخطابة؛ لأنه الذي يحمل رسالة الدين ويذود عنه وينشر فضائله ويرد عواديه وغوائله، وأبناء الأزهر هم الذين يقومون على المنابر في مساجد القرى والمدن، فيهزون أعوادها يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر ويحضون على الفضائل، وينكبون عن الرذائل بأسلوب بارع ولغة مهذبة وبيان فصيح، وقصص رائع يتخلل ذلك آيات من كتاب الله، وأدب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
وإنك تجد الخطيب الديني يحتفل بأسلوبه وأدائه، كي يتسنى له التأثير في النفوس والهيمنة عليها، وقد كانت الخطابة من قبل مسجوعة متكلفة تتلى في ديوان، ولا تمت إلى المناسبة ولا إلى مقتضيات الأحوال بصلة، وكانت إلى عهد قريب تدور حول معان واحدة أو متقاربة يمل السامع ترديدها، ولا تكاد تصل إلى قلبه بتكرارها، فهي تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة وتشويق إلى الجنة، وتخويف من النار وتهويل في المعاصي والعقاب عليها في الحياة الثانية، وكان ينقصها أيضا وحدة الموضوع، فقد كان الخطيب ينتقل من الحديث عن الصدق إلى الحديث عن الخمر إلى النهي عن الغيبة إلى الحض على الإنفاق في سبيل الله، فلا يتجه السامع إلى موضوع مستقل يؤمن به.
أما الخطب الآن فإنها نماذج رقيقة في أسلوبها، ووضعها مسارقة للغرض الذي يتطلبها، يلقيها الخطيب مرتجلة يشافه بها الناس، وقلما يعتمد في إلقائها على ورقة الخطابة المنبرية اليوم إنما هي معالجة للأحداث وتناول لمختلف الشئون، وتعليق على ما يشغل المجتمع ويهمه على ضوء الدين والخلق الكريم، وقد تسوق الصحف في صباح الجمعة خيرا ذا بال، أو قصة أو مأساة، أو مثلا كريما فينهض الخطيب بعرضها وتصويرها، والتعليق عليها بأورع أسلوب، وأوفى بيان وأحسن تجلية.