ومما ساعد على ترقية الخطابة الدينية أن أصبح الذين ينهضون بها شبابا أفذاذا معترفا بقدرتهم مشهودا بكفايتهم ولباقتهم يرتجلون، فلا يتعثرون ويتدفقون فلا يتلعثمون.
وفي كلية أصول الدين إحدى كليات الأزهر "قسم تخصص الوعظ والإرشاد"، يخرج هداة مرشدين أخصوا في هذا الغرض فجاء أسلوبهم، وفاض بيانهم وامتازوا بحسن المنطق وبلاغة التأثير، وأصبح لهم في الحياة الاجتماعية مقام محلوظ، فهم ينشرون فضائل الدين بأسلوب عذب، وبيان عليه طلاوة ويهدون إلى مكارم الأخلاق بطريقة أخاذة مشوقة، ويعتمد عليهم أولو الأمر في إصلاح ذات البين وفض المنازعات والتعاون على البر، والأخذ بأسباب الإصلاح الاجتماعي، وقد تخطب الحكومة ودهم للدعاية لمذهبها، وترويج مسلكها اعترافا بفضلهم، ولكنهم يأبون أن يدعوا لغير الله والفضيلة.
هذا وقد اتخذت الخطابة الدينية مظهرا آخر كريما أعلى شأنها ورفع لواءها، فإن العلماء والأدباء الذين عذب أسلوبهم وفصحت عبارتهم، وسلس بيانهم يقومون في الجمعيات الدينية والاجتماعية وفي المساجد ودار الإذاعة، فيلقون مواعظ وأحاديث دينية واجتماعية تعتمد على الأدب الرفيع في أسلوبها، وتصويرها فتصل إلى شغاف القلوب من روعة العظة وسحر البيان.
وقد كان المغفور له الشيخ محمد عبده آية الآيات، فقد كانت خطبه وأحاديثه الدينية والاجتماعية أبلغ الأمثال في جمال العبارة، وحسن الصوغ وقوة السبك، وكان يمزج أسلوبه الديني المتحلى بأدب القرآن، وأدب الرسول صلى الله عليه وسلم بأدب العرب، وما زخر به من بلاغاتهم، وما توفر له من الأدب الغربي الحديث.
ومما نشط هذه النوع في أيامنا هذه وأزكى غرسه، وأنمى عوده حضور الحكام وعظماء الأمة وقادتها دروسه، واستماعهم إلى الخطباء المجودين فيه، فتسامى القرائح وتتسابق المواهب، ويأخذ هذا الأدب في السمو والتفصح