ولد بالقاهرة سنة نيف وثمانين ومائة وألف من الهجرة، ونشأ بها في ظل أبيه الشيخ "محمد كتن"، ويمت بنسبه إلى أسرة مغربية، وفدت إلى مصر وكان أبوه رقيق الحال "عطارا"، ملما بالعلم كما يدل عليه ما يقوله في بعض كتبه "ذاكرت بهذا الوالد رحمه الله"، وكان يستصحبه إلى متجره، ويستعين به في صغار شئونه -نشأ حاد الذكاء قوي الفطنة، إلى التعليم هواه، شديد الغيرة والتنافس، إذ يرى أترابه يترددون على المكاتب، ومن ثم يتسلل إلى الجامع الأزهر مستخفيا من أبيه، وقد عجب والده إذ رآه يقرأ القرآن في زمن وجيز، فشجعه ذلك على أن يدع ابنه الذكي الفطن المحب للعلم يختلف إلى العلماء، وينهل من وردهم ما يشاء، فجد في المثابرة والانتفاع من الفحول أمثال الشيخ "محمد الأمير"، والشيخ "الصبان"، وغيرهما حتى بلغ من العلم والتفوق فيه ما أهله للتدريس بالأزهر على تمكن وجدارة.
ولكن نفسه لم تقنع بهذه الغاية، بل مال إلى التبحر في العلوم، واشتغل بغرائب الفنون، والوقوف على أسرارها.
وكان منذ صباه ذا شغف بالأدب، جادا في مطالعته والتزود منه حتى أجاد النظم، والنثر في ريعان صباه وبواكير حياته.
وعني بالأدب الأندلسي عناية فائقة فأخذ يدرسه ويحاكيه، وكثيرا ما كان يأسف على انحطاط الأدب في عصره، ويصف شعراء زمانه بأنهم "اتخذوا الشعر حرفة، وسلكوا فيه طريقة متعسف، فصرفوا أكثر أشعارهم في المدح والاستجلاب والمنح، حتى مدحوا أرباب الحرف الجمع الدراهم، وكان منهم