من كان يصنع القطعة من الشعر في مدح شخص، ثم يغيرها في مدح آخر، وهكذا حتى يمتدح بها كثيرًا من الناس، وهو لا يزيد على أن يغير الاسم والقافية، وما أشبهه في ذلك إلا بمن يفرق أوراق الكدية١ بين صفوف المصلين في المساجد، وهكذا كان حال الرجل، فلا يكاد يتخذ وليمة أو عرسا أيبني بناء أو يرز بموت محب إلا بادره بشيء من الشعر قانعا بالشيء النزر".
ولما كانت تلك نظرته إلى الشعر والشعراء رأيناه قد أغفل شعره، ولم يحتفظ بما قاله في المدح، والهجاء اضطرارًا ورجا ألا يحفظ عنه، إلا ما لطف من النسيب"، مما ولع به "أيام الشباب حيث غض الشبيه، والزمن من الشوائب محض، ولأعين الملاح سهام بالفؤاد راشقة، وتثني قدود الغيد تظل له أعين الأحبة وامقة.
ذاك وقت قضيت فيه غرامي ... من شبابي في ستره بالظلام
ثم لما بدا الصباح لعيني ... من مثيبي ودعته بسلام"
ولما اضطربت الفتن بدخول الفرنسيين مصر رحل إلى الصيعد، ومعه جماعة من العلماء، ثم عاد إلى مصر بعد أن استقرت الأمور، وقد أداه حبه الحياة الاجتماعية وميله إلى المخالطة، وما عرف به من خفة الروح، وطيب المعاشرة، إلى الاتصال بالفرنسيين العلماء فاستفاد من فنونهم، وأفادهم اللغة العربية وكان يقول:"إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها"، وكان يتعجب مما وقف عليه من علوم الفرنسيين، ومن كثرة كتبهم وتحريرها وقربها من العقول وسهولة الاستفادة منها، وقد تحدثنا عن ذلك في صلة الأزهر بالحملة الفرنسية.
وهو الذي وقف في امتحان مدرسة الطب خطيبا يشيد بفائدة الطب في تقدم الإنسانية، ويفخر بأن أتيح للأزهر في تاريخ مدرسة الطب أول نشأتها