مر بالشعر في هذا العصر ثلاثة أطوار، أو مراحل كان في كل منها مغايرًا للأخرى في ظواهرها تبعا لعوامل النشاط والخمود التي تهيأ له -فالطور الأول من ولاية "محمد علي باشا" سنة ١٨٠٥ إلى ولاية "إسماعيل باشا" سنة ١٨٦٣م، والطور الثاني من ولاية "إسماعيل باشا" إلى الاحتلال الإنكليزي سنة ١٨٨٢م، والطور الثالث من الاحتلال الإنكليزي إلى يومنا هذا.
الشعر في المرحلة الأولى:
وفدت هذه النهضة والشعر صورة من ماضيه في العصر السالف لا ابتكار في أغراضه، ولا تهذيب في أسلوبه، ولا تجديد في معانيه وأخيلته، وظلت مواهب الشعراء مجدبة لا تخصب، جامدة لا تلين وذلك؛ لأن عوامل النهضة المستحدثة لم تكن قد أثرت في الاتجاه الأدبي واللغوي في بواكيرها؛ ولأن ما جرى من الإصلاح لم يكن في وجازة مدته، وضيق أفقه يؤثر في طريقة التفكير، أو يغير من أسلوب الكلام.
ولم يكن "محمد علي" منصرف الهمة إذ ذاك إلى الآداب بله الشعر، فهو أمي ليس للشعر موضع من تفكيره، ولا نصيب من تقديره، وما كانت حكومته حينئذ عربية الصبغة، بل كانت تركية في كثير من مظاهرها، ولم يكن الوالي ذلك الوقت يعني إلا بتشجيع العلوم التي هي أساس الإصلاح المادي، ولم يلتفت إلا لإنهاض البلاد، وإنقاذها مما انحدرت إليه من تأخر إداري، وحيوي تمخض عنه العصر السابق.
بقي الشعر في هذه المرحلة على ما كان عليه من ارتصاد للبديع، وتهالك على الزخرف، وولوع بالتاريخ الشعري الذي اخترع في العصر الماضي، وأغرم الشعراء به، بل من القصائد ما يكون كل بيت، أو شطر منها تاريخا.