كان الأزهر البيئة الصالحة التي وجد فيها محمد علي وأبناؤه عونًا لهم على نقل ثقافة الغرب وآدابه وعلومه؛ إذ بعثوا منهم البعوث إلى أوربة, وأثبتوا كفايةً واقتدارًا على رسالتهم العلمية والأدبية, وكانوا قدوةً لغيرهم في البراعة، والجدِّ, والنهوض، وكان من الطبيعيّ أن تتطلع أنظار هؤلاء الولاة إلى الأزهر, فقد كان ولا يزال أقدر على هذا العبئ من غيره؛ وغذ بدأ إرسال البعوث إلى الغرب, لم يكن للأزهر ما يشاركه من المعاهد والمدارس التي تضطلع بهذه الرسالة إلّا قليل, وكان غير الأزهر من هذه المدارس أقل استعدادًا وكفايةً.
وإذا كان كثير من تلاميذ المدارس الذين أرسلوا إلى أوربة لم يحققوا الأمل المرجوّ منهم, لعوامل منها: صغر سنهم, فقد كان الأزهريون المبعثون كبارًا فوق هذه الأسنان, وذلك لأنهم لا ينتسبون إلى المعاهد إلّا وهم في سنٍ يزيدون بها عن أقرانهم في المدارس الأخرى, ولاشتغالهم في صغرهم بحفظ القرآن, ولعل كبر السن بهذه المثابة مما يزيدهم أهليةً وجدارةً للاضطلاع بالمجهودات الأدبية والعلمية التي أوفدوا إلى الغرب من أجلها, والتي ينوء بها أقرانهم من صغار السن, الذين هم ضعفاء ناقصوا الإدراك.
وكان طبيعيًّا أن يكون الجهل بلغة البلاد التي يوفد إليها المبعوثون عقبةً تعوق المبعوثين عن التمهر في المواد التي يدرسونها, والتفوق في الثقافة التي يأخذون بها؛ لأن هذه اللغة هي أداة الفهم, ووسيلة التعلم, والجهل بها يستغرق منهم زمنًا وجهدًا, فتضعف ثقافتهم, ويتضاءل منها نصيبهم, وكان المفهوم أن