المبعوثين من الأزهر بهذه اللغات يتعثرون في تعلمهم, ولا يبلغون من هذه الثقافات مبلغ التفوق والتجويد, ولكنهم كانوا موضع العجب بما أظهروه من براعة, وبما بذلوه من جهد, فلقد كانوا مشبوبي العزائم, موصولي الجدِّ, دائمي السهر والمثابرة حتى وصلوا إلى ما نيط بهم من الآمال، وإن في رفاعة بك رافع لمثلًا طيبًا لهؤلاء النابهين؛ فقد كان إمامًا لبعث سنة ١٨٢٦ على باريس, وعلى رغم أنه غير عضو فيه, ولا مكلف تلك الجهود الثقافية التي يكلف الأعضاء أن يقوموا بها, فقد بذل في تعلم اللغة جهدًا شخصيًّا, وتوفر على التبحر في الثقافة الفرنسية, وأجال نظره في المجتمع الفرنسيّ, فسجل ما شاهده من أخلاقه وعادته, ووصف ما اجتلاه في باريس بأسلوب الناقد المتفخص, حتى كان زعيم اتجاه ثقافيٍّ جديد, وكتابه: "تخليص الإبريز" الذي يعتبر الثمرة الأولى لإقامته في عاصمة الفرنسييين, مناط فخره وآية فضله، وكتبه في التربية والتعليم حافلة بما أفاد من تعليم الغرب, وسني مقامه فيه١.
هذا وقد يكون لنشأة الأزهريين الدينية, وإثقالهم بمناهج الأزهر التعليمية التي يضطلعون بها من متستهل حياتهم, أثر في زهادتهم ومجانبتهم الغواية الغربية, والتفلت من مفاتنها, فتوافر لهم الوقت, ودفعتهم النشأة الزاهدة إلى المثابرة على العكوف على الدرس, والتفرغ له, وبذل القوى والجهود للتمكن والاستفادة.
ولقد نجد كثيرًا من هذه البعوث مقصورًا على الأزهريين -كما سيتبين ذلك في موضعه- ولا يخلو بعث علميّ من طائفة من أبناء الأزهر, وما ذلك إلّا لأن للأزهريين مكانًا في هذه النهضة, وموضعًا من تأسيسها, وكفايةً لا يغفل عنها مصلحٌ يحاول النهوض بالبلاد وآدابها وعلومها.
١ تاريخ التعليم في عهد محمد علي لعزت عبد الكريم ص٤٢٧.