للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثر المبعوثين من الأزهر في النهضة:

أرسل المبعوثون الأزهريون إلى بلاد الغرب, فأدوا رسالتهم, وعادوا إلى بلادهم أبلغ ما يكونون علمًا, وأحفل ثقافةً, وأعظم انتفاعًا, وأشد تأهلًا.

وفدوا إلى بلادهم فاضطلعوا بالترجمة والتأليف, فهيئوا لمصر آدابًا جديدةً, وعلومًا محدثةً, وغير خافٍ ما كان لرفاعة بك وتلامذته من جهود وآثار هذَّبت الأفكار, ونَمَّت القرائح, وأيقظت الهمم لمسايرة الغربيين في نهضتهم التي كانت مصر بمعزلٍ عنها, وعن أسبابها.

لقد فسح هؤلاء في آفاق الأدب, وزادوا في أغراضه, ومدوا في خياله, وأضافوا إليه ألوانًا طريفةً شائقةً, واتجهوا بالكتابة اتجاهًا جديدًا؛ فتخلصت من الأغلال القديمة, وبدأت ظلال السجع المخيّم عليها تتقلص منذ أن رجع طلاب البعث الأول, الذي أرسله محمد علي إلى أوربة, في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر, فقد تأثروا بأساليب اللغات الأجنبية, فأخذوا يترجمون ويؤلفون كما فعل رفاعة بك الطهطاوي, والعالم: أحمد ندا, وإبراهيم النبراوي- الذي كان رئيسًا لمدرسة الطب, وأحمد حسن الرشيدي - الطبيب, وغيرهم من العلماء والأدباء١.

كان أثر هؤلاء أن حرروا الرأي, وأحسنوا التوجيه, ولقحوا الأفكار والعقول بلقاح جديد, وأفادوا من الغرب طرائق تفكيره, وخصائص إنتاجه.

قام هؤلاء بتدريس العلوم المحدثة, وسدوا حاجة المدارس الناشئة, فاختير منهم المعلمون والنظار, فنهضوا بالمدارس ونظمها والإشراف عليها, ومضوا بها إلى أكمل غايةٍ تمشيًا مع اللوائح الجديدة والنظم المحدثة، وكان منهم القوّاد والأطباء وكبار الموظفين, والموجهون للحياة الجديدة أكرمَ توجيه.

البعث الأول: إلى إيطاليا في سنة ١٨٧٣م.

كانت إيطاليا أول البلاد التي أرسل إليها محمد علي بعوثًا من المصريين فقد


١ المرحوم الدكتور أحمد ضيف في مقتطف شهر مايو سنة ١٩٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>