كانت الخطابة في العصر السابق ضعيفة مخلة يلتزم فيها السجع، ولا تعتمد على الارتجال بل تتلى في ورقة أو ديوان، ثم هي مقصورة على الجمعة والعيدين وغيرهما من المواسم الدينية، وقد ظل هذا طابعها عصر محمد علي أيضا لم تجد في المواقف الرسمية أو غيرها احتفالا بشأنها ولم ينهض الأمير أو رجال الدولة بها، فالدولة إذ ذاك تركية النشأة.
وإذا كانت الخطابة تعتمد على الملكة ووفرة الأسلوب، وروعة البيان فقد عدم كل ذلك أوائل هذا العصر حتى أن الجيش الذي تنفق فيه سوق الخطابة لتهيئة النفوس وإرهاف الحس، وإثارة الخواطر والذي طالما تحركت به الألسن وأذكيت المواهب لم يقم على قيادته، وتعليم كتائبه إلا نفر من "الطليان" وغيرهم من ذوي العجمة والرطانة كما كان تلامذة مدرسة الحربية إذ ذاك من أبناء المماليك وهم غرباء عن العربية، وقد بقيت روح الجيش وصبغته تركية أو قريبة منها إلى عهد قريب حين أعلنت مصر استقلالها.
الخطابة من عهد إسماعيل:
ازدهرت الخطابة في عصر "إسماعيل" حين شاعت الحرية وذاعت الصحف، وأنشئت الجمعيات والأندية السياسية والأدبية واستيقظت الأفكار، وهبت الأمة تطالب بحقوقها وتذود عن مجدها، وكان الأثر أبلغ الأثر في إنهاض الخطابة للحكم الشورى، وما استلزمه من المجالس النيابية التي تعتمد على إثارة الرأي والذود عن ومجاهدة الخصم بالحجة والبيان ولقيام الأحزاب وتناحرها، واعتمادها في نشر دعوتها ومناهضة منافسيها على الخطابة التي هي أداة الإقناع، ووسيلة البلاغ للرأي العام.
وقد قدم إلى مصر الزعيم "السيد جمال الدين الأفغاني"، فكان