ولد بأسيوط قرابة سنة ١٨٢٥م من أسرة عريقة في العلم والدين، فحفظ القرآن في صباه وكان والده أحد علماء الأزهر يحب الأدب، ويقرض الشعر وقد نظم في النحو خمسمائة ألف بيت تدارك فيها ما فات ابن مالك في ألفيته مما نبه إليه الشراح من قيود، وشروط وغيرها، فتأثر "عبد الرحمن" بأبيه واتجه متجهه، وتلقى العلم عنه في صغره، ولقي من رعايته وتوجيهه ما غذى قريحته بالأدب، وطبع ملكته على حبه.
ولما أصاب حظا من الثقافة الناشئة ألحقه والده بالأزهر، فانتظم في عقده وتلقى فنونه على أساتذته من أمثال الشيخ "حسن الطويل"، والشيخ "محمد الإنبابي" والشيخ "الأشموني" وأضرابهم، وقد قضى فترة في الطلب ناهزت عشر سنين، وكانت شهرته بالأدب قد ملأت الأذهان، وطوف صيته في ربوع الأزهر وخارجه، ووسم بالشعر الرصين والنثر المحكم، حتى كان علما بين شعراء الأزهر وأدبائه في ذلك الحين، وكان قد تقدم لامتحان العالمية، فحدثت في الأزهر فتنة كان من أثرها أن عين المرحوم الشيخ "محمد الإنبابي" شيخا للأزهر بعد سابقه المرحوم الشيخ "محمد المهدي العباسي"، ويقول بعض الرواة: إن "الإنبابي" غضب على قراعة ونفاه من القاهرة إلى أسيوط؛ لأنه أنشأ قصيدة هجاه بها قال في مطلعها:
خذوا حذركم فالأمر قد جاء بالضد ... لقد ظهر الدجال واختبأ المهدي
ومما قاله الرواة - إن قراعة كان صديقا للمهدي، وكان المهدي يؤثره ويوليه حبه، فنظم قراعة هذا الشعر ولاء للمهدي، وزراية بالإنبابي، فأجرى