معه تحقيق كانت نتيجته النفي إلى أسيوط التي ظل بها قرابة أربعة عشر عاما كان يرسل فيها قصائد الاعتذار، والتنصل للإنبابي حتى عين الشيخ "حسونه النواوي وكيلا للأزهر، فاستوفده إلى القاهرة.
وقد رجعت في تحقيق ذلك إلى أسرته والأدنين منه ومن خالطوه، لأجلو الأمر واستوضح غامضه، فقيل: إن قراعة لم ينظم هذه القصيدة بل نحلها له خصوم الإنبابي اعتمادا على شهرة قراعة بالشعر وطلبا لذيوعها له، أما هو فبرئ منها لم يخط فيها حرفا، كيف وهو تلميذه المنتفع بعلمه المغتذى بثقافته؟ على أن فيما وجهه قراعة إلى الإنبابي من شعر ونثر ما يدل على نقاء صفحته، وبراءته من هذا الشعر، هذا ولم يكن ارتحال قراعة إلى بلده جزاء وعقوبة، وإنما كان انصرافا منه لكدر الجو من الدس والسعاية، ومهما يكن من شيء، فإن القصيدة سواء نظمها، أو نسبت إليه سارت على الألسن، وطوفت في الآفاق وعلقت بالأذهان.
وإذ ارتحل "قراعة" إلى أسيوط هذه الفترة الطويلة أكب على دراسة الأدب ونظم الشعر، وتوفر على التفسير والحديث، فتمكن من دراستهما واجتمع بجمهرة من علماء الأزهر الذين رحلوا إلى أسيوط وطنهم، فاتصل بهم وكان بيت أبيه شبيها بندوة أدبية، ودرس علمي يجمعهم، فعلا في هذا الندى صوته وتألق بين رواده نبوغه، فكان فيمن يفدون إلى هذا المجلس المرحوم "محمد بك أبو شادي" الذي أنشأ جريدة الظاهر فيما بعد، وكان من أبرع المحامين بأسيوط، كما كان منهم المرحوم "عبد الله هاشم" الأديب المطلع الذي وصفه "قراعة"، فقال: "أخذ هاشم نهايتنا فجعلها بداية له"، والمرحوم "حسين بك فهمي" الأديب أحد كبار محامي أسيوط، "وإمام بك فهمي" أحد أعلامهم أيضا، وما زالت شهرة "قراعة" تنمو، وتتطاير حتى كثر عشاقه، وأقبل عليه أنصار الأدب من كل حدب، فإذا بيته مقصد كل عظيم، وأديب من رجال القضاء والإدارة والتعليم، ومما قرأه على عشاقه في هذه الفترة