[صلة الأزهر بالحملة الفرنسية]
قدم نابليون إلى مصر, واستصحب معه طائفةً من العلماء نشروا معارفهم على الناس, وبثُّوا من ثقافتهم ما لم يعهدوه من قبل، وكان الأزهريون أكثر من غيرهم إفادةً من هذه العلوم, وأوثق من سواهم اتصالًا بالفرنسيينن, وذلك مما مهد لهم أن يطلعوا على معارفهم, ويكشفوا أسرارها, ويكتنفوا دقائقها.
ويتضح هذا الاتصال أكثر ما يتضح في طائفةٍ عرفت بالميل إلى الحياة الاجتماعية, ومسايرة العصر في تطوره ونهضه، وذلك كالشيخ: عبد الرحمن الجبرتي, مؤرخ العصر, والشيخ: حسن العطار, الشاعر الكاتب.
أما الجبرتي: فقد طاف بحجرات المجمع العلمي الذي أنشأه الفرنسيون, ومَرَّ بأروقته, وسجَّل ما رآه من علماء الفلك والطب والكيمياء, وما شاهده من عِدَدٍ وآلاتٍ وتصويرٍ, وما أُجْرِيَ أمامه من تفاعل وظواهر وتجارب.
وقد كان حين قدم الفرنسيون ناضج العقل, قوى الشخصية, ملمًّا بجانبٍ من أصول الرياضة والفلك، واختاره الفرنسيون عضوًا في الديوان الذي أنشأوه لمعاونتهم في حكم مصر, فكثر اتصاله بهم, واستمع لحديثهم, ووقف على كثير من أفكارهم وآرائهم وثقافاتهم, وتردد على أماكنهم, وزار معاملهم، ثم عاد فعبر عمَّا رأى, وصوَّر ما شاهد, وحدَّث عما طالعه من حضارة الفرنسيين ومدنيتهم, ومن تقاليدهم وعاداتهم، وكان حديثه التاريخيّ عن هؤلاء مرجعًا تعرف به أحوالهم في الفترة التي قضوها بمصر.