كان الشيخ "حسين المرصفي" ذا شهرة بالعلم وصيت بالأدب، وكانت الزعامة قد انعقدت له في التوجيه والنقد، وغزارة العلم والبيان يؤمه كتاب وشعراء ويقصده علماء وأدباء، ويعرض أدبهم عليه فحول الأدب البيان.
"والبارودي" ممتلئ منذ نعومة أظفاره حبا للأدب، وإيثارًا للشعر وهوى للبيان، وما من شك في أن هواه هو الذي احتثه على "المرصفي" احتثاثا، واجتذبه اجتذابا يجد في درسه وتوجيهه، ونقده ما ينقع غلته ويروي صداه.
ولقد جهدت في تحديد الصلة التي كانت بين "المرصفي"، و"البارودي" وعنيت بها كيف نشأت وعلى أي وجه كانت، وأين كان الرجلان يلتقيان؟ ولكن جوابا عن شيء من ذلك لم يتيسر لي فيما قرأت واستقرأت، فقد يعرف كثير من الأدباء أن "للبارودي" صلة "بالمرصفي"، وأن للأول بالثاني انتفاعًا، فقد استفاض الحديث عن ذلك حتى تحدث الشاعر نفسه به، ولكن تحديد هذه الصلة وبدءها وكنهها غامض، فلعل "البارودي" ليساره، ونعمته كان قد سعى لاستقدام الشيخ في منزله، والانفراد به في كل مكان هادئ يمكن للتلميذ من الانتفاع بأستاذه، ويهيئ له أسباب النفع والتوجيه، ويجد من أستاذه كلما وفد إليه معلما يعلمه، وهاديا يهديه، ومهذبا يصقل أدبه ويجلو بيانه.
ويتحدث الأستاذ "الرافعي" عن صلة "البارودي""بالمرصفي"، فيقول: ومن عجيب أمره "البارودي" ما تراه فيما يكتبه عنه الشيخ "حسين المرصفي" منذ ثلاثين سنة، وهو أستاذه١".
١ المقتطف الصادر في ٢٦ من ذي القعدة سنة ١٣٢٢ الموافق ١ فبراير سنة ١٩٠٥م.